عميد «الدراسات الأفريقية» الأسبق: مصر تعود لأفريقيا.. والرئيس ينتظر دعم رجال الأعمال

كتب: محمد الليثى

عميد «الدراسات الأفريقية» الأسبق: مصر تعود لأفريقيا.. والرئيس ينتظر دعم رجال الأعمال

عميد «الدراسات الأفريقية» الأسبق: مصر تعود لأفريقيا.. والرئيس ينتظر دعم رجال الأعمال

وصف ما تقوم به إسرائيل فى القارة السمراء بـ«تحرك استراتيجى ضد مصر»، مؤكداً أن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى زيارته الأفريقية عن المياه يعد تجاوزاً إسرائيلياً ضد المصالح المصرية.. هكذا قال الدكتور سيد فليفل، العميد الأسبق لمعهد الدراسات الأفريقية، مشيراً فى حواره لـ«الوطن»، إلى تدخل إسرائيل فيما يحدث من مواجهات مسلحة بجنوب السودان من مناوشات داخلية، حيث إنها جاءت بعد 24 ساعة من عدم استجابة رئيسها إلى «نتنياهو».

وإلى نص الحوار:

■ برأيك ماذا تشكل زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية لـ4 دول أفريقية بالنسبة لنا؟

- لها أهمية كبيرة لأنه منذ فترة طويلة تقريباً أربعة عقود لم يزر رئيس وزراء إسرائيل القارة الأفريقية، ولكن كانت هناك بعض الزيارات لبعض الوزراء، وبصفة خاصة وزراء الخارجية، أو كبار المسئولين، وبالتالى هذه الزيارة من أعلى الزيارات تمثيلاً لأنها جاءت من رئيس الوزراء الإسرائيلى، وهى زيارة مناسبتية لحادث عنتيبى قبل أربعين عاماً، حين قُتل شقيق رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالى، وبالتالى كان العامل الشخصى محفزاً له على القيام بهذه الزيارة، وهذا ظهر بوضوح عندما هاجمت الصحافة الإسرائيلية نتنياهو لأنه أنفق مبالغ طائلة من الأموال على الزيارة، نظراً لأنه اصطحب معه 4 طائرات وأجهزة أمن عديدة، فضلاً عن إجراءات كثيرة احترازية فى الرحلة، وكل هذا مؤشر على أنه لا يقوم بزيارة طبيعية، فهناك توتر وقلق، والبعض تحدث عن محاولة لاغتياله ولكنه نفى هذا الحديث، والنقد فى هذا الجانب كان واسعاً داخل الدولة الإسرائيلية، وقيل إن تكلفة الرحلة كان أولى أن يدفعها للفقراء فى القارة الأفريقية أفضل من تلك الزيارة التى تكلفت ما يفوق 25 مليون دولار أمريكى.

{long_qoute_1}

■ ولماذا اختار نتنياهو تحديداً زيارة أوغندا ورواندا وإثيوبيا وكينيا؟

- زيارة الأربع دول هى اختيار متكرر، فزيارات الرؤساء الأمريكان ووزراء الخارجية الأمريكان وأيضاً وزراء الدفاع، والمسئولين بالقوة العسكرية الأمريكية فى أفريقيا «أفريكوم» تتوافق مع زيارات المسئولين الإسرائيليين لهذه المجموعة من الدول، فهى الركائز الاستراتيجية الغربية فى أفريقيا بدءاً من غرب أفريقيا، السنغال وغانا، وشرقاً كينيا وأوغندا وتنزانيا والإضافة الأساسية هى منطقة البحيرات، إذن المسألة متعلقة بوجود فعلى للقوى الغربية، وإسرائيل تتحرك على أساس ذلك، كما أذكر أن أحد رؤساء وزراء إسرائيل قال إن إسرائيل تنخرط فى شركات متعددة الجنسيات بنشاط، وهذه الشركات عندما تتقدم للدول الأفريقية يكون لها فروع إسرائيلية، وعندما تتحدث إلى من يعمل فى هذه الشركة فهو فلان الفلانى من شركة كذا وليس من إسرائيل، وإسرائيل موجودة فى دوائر أوسع من دوائرها هى الشخصية، بالتالى علينا أن ننظر إلى الزيارة فى إطار مختلف، بأن الحجم الإسرائيلى الحقيقى شىء والقوى التى تنقلها إلى أفريقيا شىء آخر.

■ وماذا عن الوجود المصرى والعربى؟

- لا بد أن نسأل أنفسنا هل العرب لديهم رؤية فى أفريقيا قبل أن نسأل عن مصر وحدها؟ فيجب أن نسأل عن العرب ككل، ويجب أن تكون هناك مراجعة للموقف العربى قبل أن نحاسب الأفارقة ونغضب منهم لاستقبالهم رئيس الحكومة الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو.

وعن بعض النتائج التى تحدث عنها نتنياهو فى المؤتمر الصحفى الذى تم عقده، أن إسرائيل ستنشئ علاقات مع 54 دولة أفريقية، فكيف تنشئ علاقة مع الـ54 دولة وفى الوقت نفسه هناك 10 دول موجودة عربية، فهل تعلم أن الدولة الوحيدة التى لها علاقة منهم بإسرائيل هى مصر، والعلاقة سلبية إلى حد كبير، بالتالى هل تتحدث إسرائيل بأنها تقيم علاقة مع المغرب أو الجزائر أو أى دولة أخرى؟

وغير ذلك ظهرت هناك حالة رفض مباشرة لفكرة طُرحت لعضوية إسرائيل فى الاتحاد الأفريقى ورفضت فوراً، فالاتحاد الأفريقى لا يمكن أن يجعل دول محتلة لأرض غيرها عضواً مراقباً فى الاتحاد الأفريقى، وبما أن إسرائيل تحتل الأراضى الفلسطينية والقضية الفلسطينية هى أفريقية، والرئيس الفلسطينى محمود عباس يبلغ القمة الأفريقية بشكل منتظم بتطورات القضية الفلسطينية، وبالتالى لم يبلغها بأن إسرائيل متعاونة أو أنها انسحبت من الأراضى العربية، فلم يتغير الموقف الأفريقى.

{long_qoute_2}

■ وبماذا تحلل حديث بنيامين نتنياهو بشأن المياه فى أفريقيا؟

- كل ما قيل حول التعاون فى مياه النيل عبارة عن تكرار لبرنامج قائم بالفعل بين دولة الاحتلال الإسرائيلى وإثيوبيا، منذ مساعدة الطرف الإثيوبى فى مسألة إدارة المياه وهذا لا تقدمه إسرائيل، ولكنه عبارة عن عدد من الخبراء بدعم من الحكومة الألمانية بمبلغ 100 مليون دولار أمريكى، وجرى تجديد الاتفاق هذه الأيام خلال الزيارة، ولكنه ليس اتفاقاً جديداً، أما عن تدخل إسرائيل لمحاربة الإرهاب، وتقديم المشورة فى مجال الأمن وأشياء من هذا القبيل، فذلك طبيعى تقوم به إسرائيل مع الحلفاء بشكل منتظم فى إطار أكبر وهو «الناتو» وعمله سواء كان فى أفريقيا أو خارج أفريقيا فهذا ليس جديداً، كما أخذت زيارة «نتنياهو» أكبر من حجمها فى الواقع.

■ متى بدأ تحديداً اهتمام إسرائيل بالقارة الأفريقية؟

- إسرائيل نفسها كانت موجودة كفكرة فى أفريقيا فى التصور الصهيونى، وكان من الممكن أن تكون إقامتها كوطن لليهود فى أوغندا أو إثيوبيا، أو غيرهما لتكون أرض الميعاد التى تتطلع إليها الحركة الصهيونية لإنشاء وطن قومى لليهود، ولكن بعدما تم الاتفاق على أن فلسطين هى المطلوبة، أصبحت أفريقيا مطلوبة أيضاً لإسرائيل لأن أفريقيا تمتلك كتلة تصويتية كبيرة تستطيع إسرائيل الاستفادة منها فى الأمم المتحدة لو اتفقت على ذلك مع هذه الدول التى تمتلك موارد طبيعية يمكن الاستفادة منها، وثروات معدنية وغيرها، فأفريقيا سوق للمنتجات أيضاً. 

■ كيف خدمت إسرائيل مصالحها فى أفريقيا وعبر أى آليات؟

- إسرائيل تدخلت فى الصراعات الأفريقية ببيع السلاح وإثارة الفتن، والدليل على ذلك مثلاً بعد عدم استجابة رئيس جنوب السودان لرئيس الحكومة الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وقعت مواجهة مسلحة داخل العاصمة فى جنوب السودان بعد أقل من 24 ساعة من نهاية المؤتمر، وهذا مؤشر على مدى اتباع إسرائيل لوسائل الحرب القذرة على الشعوب الأفريقية، فبالتالى علينا أن ندرك نحن وأشقاؤنا الأفارقة المخاطر والأساليب الإسرائيلية. {left_qoute_1}

■ وما نقاط الضعف التى لعبت عليها إسرائيل فى القارة السمراء؟

- إسرائيل دولة فى الأمم المتحدة ولديها علاقات دولية، لكنها لم تجد نفسها مع الأفارقة، لأن الأفارقة أيدوا القضية الفلسطينية، وبالتالى ليس لها تمثيل دبلوماسى كاف فى الدول الأفريقية، ونتحدث عن 54 دولة والتمثيل الموجود لديها الآن أقل من 20 دولة، وهذا مؤشر على أن الأضواء الإعلامية أكبر من الواقع، وبالتالى علينا ألا نسأل ماذا تصنع إسرائيل فقط، وعلينا أن نضيف إلى ذلك ماذا صنعنا نحن، وما برنامجنا للحركة فى أفريقيا؟

■ أليس من الغريب أن تحتفل أوغندا بذكرى اختراقها وغزوها مع من فعل ذلك؟

- الزمن اختلف والرئيس غير الرئيس والوضع غير الوضع فالظروف اختلفت تماماً ومر على عملية عنتيبى 40 عاماً.

■ هناك حديث عن أن إسرائيل لعبت على تشابه معتقدات بين اليهود وجماعات أفريقية، فما صحة هذا الكلام؟

- يبقى الأفارقة أفارقة، فيما عدا الجاليات اليهودية الموجودة فى جنوب أفريقيا وبعض الدول الأخرى بأعداد محدودة، ويهود الفلاشا، فإسرائيل تدعى أن قبيلة كذا تشبه فى تجربتها الشعوب السامية القديمة والعبرانيين وغيرهم، ولكن هناك تزويراً وتلفيقاً تاريخياً للبحث عن روابط مع الأفارقة، وكل هذا ينكشف بمجرد أن الناس تقرأ التاريخ.

وإسرائيل لديها نافذة اللغات المتعددة التى تربطها بالقارة الأفريقية، فلديها مهاجرون أتوا من فرنسا، استخدمتهم فى المستعمرات الفرنسية السابقة، ولديها لاجئون جاءوا من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا توجهت بهم إلى الدول التى خضعت للاستعمار البريطانى من قبل، وبالتالى هناك سهولة للتعامل مع هؤلاء الناس، وطرحت إسرائيل أفكارها للأفارقة، بمعنى أنهم ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها دولة تكافح ضد الاستعمار البريطانى، ونحن كعرب نعلم جيداً أن بريطانيا هى التى وطدت لإسرائيل فى فلسطين، فهذا تلفيق تاريخى ممكن أن يكون بعض القادة الأفارقة صدقوه ولكن بعد حين عندما يقرأ أى إنسان كتاباً للتاريخ ينكشف الأمر.

■ وهل تغيرت صورة مصر فى عيون الأفارقة منذ عهد «عبدالناصر»؟

- صورة مصر كدولة رائدة وكبيرة والشقيق الذى يساعد الأفارقة فى حركة التحرر باقية، وصورة الرئيس عبدالناصر وهو يستقبل الزعماء الأفارقة ويتعامل معهم تعامل الأخ والشقيق، ليست هى الصورة أو الانطباع الذى تركه الرئيس مبارك بصفة خاصة فى آخر عهده، أو الصورة التى تركها محمد مرسى فى سنته الوحيدة التى كانت شديدة الوبال على علاقتنا بأفريقيا، لكن الآن هناك محاولة للعودة وتبدو قوية لكن نحتاج إلى دعم وجود الرئيس ووجود وزارة الخارجية بجهود كافة الأجهزة والهيئات المصرية وأن كل وزارة يكون لديها برنامج أفريقى، كذلك لا بد أن يتحرك رجال الأعمال مع الشركات الحكومية للوصول إلى القارة الأفريقية والذين دللهم «مبارك» حتى أصبحوا مليارديرات، عليهم أن يتحركوا فى إطار العدالة الاجتماعية، يؤدون دوراً فى أفريقيا وهذه مسئوليتهم فى مساندة الرئيس فى خطته الأفريقية.

■ وما تقييمك للرؤساء المصريين السابقين فى علاقتهم بدول أفريقيا؟

- الرئيس الراحل جمال عبدالناصر النموذج الذى لا بد أن نسير عليه، والرئيس السادات أدى الدور بشكل وظيفى وليس بشكل الرسالة مثل «عبدالناصر»، و«مبارك» كان موظفاً ماهراً فى الفترة الأولى من حكمه، وكان مهملاً إهمالاً شديداً فى الفترة الثانية من حكمه، والرئيس السابق محمد مرسى صنع كارثة المؤتمر السرى المعلن، و«السيسى» يحاول الإقلاع بالطائرة.

■ وماذا على الرئيس السيسى فى الفترة المقبلة؟

- عليه أن يضمن أن تتحرك الدولة المصرية بكامل هيئاتها ومؤسساتها ووزاراتها تجاه الدور الأفريقى، خاصة بدعم من رجال الأعمال، فهو يتحرك بقوة، ولكن لا أحد يساعده الآن.

■ هل استطاعت إسرائيل إقامة علاقات جيدة مع الشعوب الأفريقية؟

- إسرائيل تستطيع أن تصل لرئيس دولة عن طريق أساليب مخابراتية وأمنية، أو لقائد جيش بنفس الطريقة، بالإضافة إلى وسائل الاتصالات الأمنية التى تمتلكها إسرائيل، ولكنها لا تستطيع الوصول إلى الشعوب الأفريقية، فالشعوب الأفريقية تستعصى على إسرائيل لأن القارة الأفريقية 53.8% من المسلمين، ويرفضون إسرائيل، وبقية السكان الأفارقة أياً كانت ديانتهم ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها دولة احتلال تستولى على الأراضى الفلسطينية، والأفارقة دائماً فيما عدا مجموعة من 5 أو 6 دول تصوت لصالح إسرائيل، الـ50 دولة الأخرى تصوت لصالح الشعب الفلسطينى.

■ ما الدول التى تمتلك علاقات جيدة مع إسرائيل ويمكن استغلالها من جانب دولة الاحتلال؟

- إسرائيل علاقتها مميزة مع إثيوبيا، ولكن مع مَن فى إثيوبيا؟ مع الحكومة فقط، وهى حكومة أقلية نشأت عن انتخابات جرى بها عمليات تزوير منهجى ومتعمد لـ3 دورات انتخابية متتالية، لأن الشىء المذهل أن الحزب الحاكم بإثيوبيا ينجح بنسبة تفوق 90% مع أنه يتشكل من نسبة من السكان تقل عن 15% من جماعة واحدة، بالتالى من يكون سنداً لهذه الحكومة التى نعدها حكومة أقلية سوى أن تكون دول استعمارية ودول ذات طبيعة عنصرية مثل إسرائيل، فهذا هو المدخل الأساسى لإثيوبيا، وبعض الدول الأخرى.

■ وكيف تقيّم حديث «نتنياهو» علنياً عن مياه النيل؟

- أعتبره حديث وقاحة، يمثل تحدياً للإرادة المصرية، وأعتقد أنه يستدعى رداً ولا بد من الرد بقوة، فهناك حديث منه عن أمور فى غاية الغرابة مثل التعاون المائى والتقاسم فى المياه، وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت هناك حالة من الغيبوبة، فكيف سيحصل على المياه؟.. ابحث عن أى طريق تأخذ به إسرائيل المياه، فلن تجد.


مواضيع متعلقة