بورتو أسمرات.. حدوتة مصرية

أحمد شوقى

أحمد شوقى

كاتب صحفي

وسط الكم الهائل من الإعلانات عن الرفاهية التى توفرها مشروعات «البورتو» العديدة، والدعوات المغرية إلى أن تعيش «حياة البورتاوية» طوال العام، وإمكانية الدفع بالتقسيط المريح لمن يستطيع، لا يمكننا أن ننسى الملايين من سكان العشوائيات ومعاناتهم الطويلة. من هنا تأتى القيمة الإنسانية العظيمة لمشروع أسمرات فى مدينة «تحيا مصر»، التى أصر أن يكون اسمها «شعارنا ومسارنا» نحو المستقبل. لا تعليق على إعلانات «البورتو» المذكورة، التى يراها البعض مستفزة، إلا بكلمتين «ربنا يزيدهم»، ما دام مالهم حلالاً، لكن أسمرات هى بورتو جموع المواطنين من سكان العشوائيات، الذين يستحقون «حياة المصراوية»، الذين أثبتت الأحداث أنهم الظهير الشعبى الذى شارك فى حماية الوطن مما كان يراد به، ولم ينساقوا وراء من يريدون سقوطه فى براثن الفوضى والمصير المجهول، أو المعلوم إذا ما شاهدنا ما حدث فى دول تحيط بنا، وهم الذين انضموا إلى كل من يدعو جيشنا، الذى هو منا وإلينا، إلى أن يأخذ بزمام الأمور قبل أن تنفلت، إنهم «المصريون / المصريون»، الذين لم يتلقوا تمويلاً أجنبياً، ولم يتدربوا فى الصرب وغيرها، ولا علاقة لهم بالجماعات الإرهابية، واليوم، من حقهم على وطنهم أن نوفر لهم الحياة الكريمة التى يستحقونها، وأسمرات هى البداية الرائعة لذلك.

وكشاهد على أحداث الوطن عبر أكثر من نصف قرن من الوعى، أتذكر تجربة بناء «المساكن الشعبية»، كما كانت تسمى، كانت بسيطة ومتواضعة، لكنها مكنت الآلاف من أبناء العمال والموظفين من العيش الكريم، وقدمت لوطنها أعداداً كبيرة من الأطباء والمهندسين والضباط والمهنيين.. إلخ، كان أعداء الخمسينات والستينات، وما أدراك ما الستينات، يصفونها «بعلب الكبريت»، رغم أن عماراتهم التى بنوها فى الانفتاح «السداح مداح» كانت تتهاوى من الفساد، وهى صامدة. ما زال هؤلاء يترحمون على «ملك الكوتشينة» ولعبة الليبرالية، التى مارسها مجتمع النصف فى المائة، برعاية الإنجليز والقصر، لا بأس، فهذه هى حرية التفكير والتعبير، ولن يصح إلا الصحيح، والصحيح فى زمان مضى، بما له وما عليه، كان رعاية أبناء العمال والموظفين بمشروع المساكن الشعبية، كما أن الصحيح اليوم هو رعاية سكان العشوائيات بمشروع أسمرات للإسكان الاجتماعى وما يليه.

والحق أقول لكم، إن مواصفات أسمرات، بما فى ذلك ما روعى فيها من توفير لسبل الراحة مصحوبة بحس جمالى راق، تفوق فى روعتها عند من يدرك مغزاها الإنسانى والتنموى كل «الدعاية البهلوانية» عن البورتوهات والمنتجعات، إننا ندرك تماماً ما توفره هذه المشروعات النخبوية من فرص عمل وتشجيع لأنشطة عديدة مرتبطة بمجال العقارات بشكل عام، ولا اعتراض على ذلك بالطبع، لكن القيمة المضافة لأسمرات، وطنياً ومستقبلياً، تشعرنا بالفخر، لأنها تعنى نهاية تهميش وإهمال قطاعات عريضة وعزيزة من أبناء مصر، إنها تعبير مباشر عن احترام «حقوق الإنسان» بأصدق معانيها، وإن لم توردها تقارير المنظمات المحلية والدولية، وستكون بإذن الله من الملامح المضيئة لمصر المستقبل.

ولعل من يتابع هذه المقالات يذكر حديثنا عن الحاجة إلى «التقدم على جبهة عريضة»، فى مقابل تصور التركيز على قضية واحدة واعتبارها المفتاح السحرى للمستقبل الأفضل، وعادة ما يطرح الفكر الاختزالى قضية التعليم، الذى لا ينكر عاقل أهميتها، وضرورة أن نوفر لها عناصر الإتاحة والجودة والملاءمة المستقبلية، هل يمكن أن يحدث ذلك لأجيال جديدة تعيش فى مسكن غير آدمى؟ هل تتساوى قدرتهم على التحصيل مع قاطنى المساكن الملائمة، ناهيك عن «الكمباوندات»؟ وإذا كان الحديث عن الصحة يأتى مصاحباً للحديث عن التعليم، ألا يصب المسكن الصحى فى هذا الاتجاه؟ إن «نموذج أسمرات» يقدم الإجابة المجتمعية والمستقبلية الصحيحة.

لقد عانت مصر لعقود طويلة من التوجه إلى النمو على حساب التنمية، وكان هنالك من يقتنع بسياسة «الثمار المتساقطة»، التى ترى أن ثراء القلة سيعود على الآخرين بما يسد أودهم، لكن مصر الجديدة ستعمل على «تجسير الفجوة»، والارتفاع بنوعية حياة ذوى الدخل المحدود بتوفير فرص العمل من خلال المشروعات الكبيرة والصغيرة، كما نأمل فى التوصل إلى غطاء تأمينى للرعاية الصحية، والإصرار على تطوير منظومة التعليم.. إلى آخر الجهود التى تجرى على الأرض، والتى يخطط لها، وعلينا ألا نلتفت إلى المشككين غرضاً أو مرضاً، وأن نحكى لأبنائنا وأحفادنا عن «مغزى أسمرات».. فهى حدوتة مصرية جميلة تعد من الثمار العديدة الواعدة لثورة 30 يونيو التى احتفلنا بها، والتى وصفها أعداؤنا وأعداؤها بالانقلاب، والتى نصفها «بالانعدال»، الذى أعاد إلى مصر مصريتها. والله الموفق.