أزمة المهاجرين فى أوروبا.. الفرص والمخاطر

أزمة المهاجرين واللاجئين تشكل هاجساً مزعجاً لأغلب دول الاتحاد الأوروبى، باستثناء ألمانيا وفرنسا وبعض البلدان، هناك تصاعد لليمين المتطرف واتجاهات عنصرية ضد المهاجرين لا سيما بعدما زادت موجات الهجرة عبر البحر المتوسط والنفاذ من إيطاليا واليونان إلى أوروبا، وكانت أغلبها من سوريا وعبر تركيا، لذلك أبرم الاتحاد الأوروبى اتفاقاً لإعادة المهاجرين المقبلين عبر تركيا للاتحاد الأوروبى مقابل دعم مالى سخى قُدم إلى تركيا، وهو اتفاق يخالف اتفاقية اللاجئين لعام 1951.

فقد شكل الاستفتاء البريطانى للخروج من الاتحاد الأوروبى زلزالاً لا يزال يضرب القارة الأوروبية العجوز، وإن لم تبدأ توابعه بعد، فعملية الخروج من الاتحاد حسب بعض التقديرات قد تأخذ سنتين أو أكثر وفقاً لنص المادة 50 من اتفاقية برشلونة وإن كانت بعض الأصوات الأوروبية تطالب بتسريع التفاوض من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد، وهى تعبر عن الغضب من نتائج الاستفتاء البريطانى، وخشية من أن تسجل هذه سابقة قد يتبعها دول أخرى كما يتوقع البعض، السؤال ما الدوافع التى أدت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى؟ وما الآثار التى تترتب على هذا الخروج بالنسبة لنا فى الإقليم؟

بالطبع الاقتصاد والهجرة هما الموضوعان الأساسيان، الخوف من فتح الحدود وتدفق الهجرة من الحدود الأوروبية إلى بريطانيا لا سيما أن الاتحاد الأوروبى اتخذ قراراً بتوزيع المهاجرين إلى البلدان الأوروبية بنظام الحصص، بناء على اقتراح لتقاسم الأعباء، وكانت ألمانيا والمستشارة ميركل على وجه الخصوص صاحبة هذا الاقتراح، الذى تمت الموافقة عليه عندما أكدت أن المهاجرين يشكلون فرصاً أكثر وأكبر من المخاطر، بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى هناك مخاوف كبيرة لما قد يتعرض له المهاجرون فى بريطانيا، البعض لاحظ نمواً فى الاتجاهات العنصرية كبعض الرسوم المسيئة للمهاجرين، وقد يؤدى لتصاعد اليمين المتطرف المطالب بخروج المهاجرين من بريطانيا.

بعد تدهور الأوضاع فى سوريا خلال الحرب الأهلية القائمة الآن وتوغل جماعة تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من الميليشيات المسلحة، فضلاً عن عنف القوات الحكومية أثناء الاشتباكات مع هذه التنظيمات المسلحة، هذه الحرب التى بالتأكيد تشكل تهديداً قوياً لحياة الملايين من السكان والمدنيين أدت إلى نزوح جماعى للمواطنين السوريين تجاه ملاذات آمنة فى تركيا ولبنان والأردن وبعض البلدان العربية والخليج ومصر والأرقام هنا تتجاوز ثلاثة ملايين فى هذه المناطق إلا أن المهاجرين أيضاً سلكوا الطريق للنفاذ للحدود الأوروبية عبر اليونان وإيطاليا بمراكب الموت من أجل الحياة، وبلغت الهجرة من سوريا وبلدان أخرى تحت عنوان الهجرة الاقتصادية والذين يسعون لحياة أفضل وفرص للعمل وأصبحت هذه الهجرة المشكل الأساسى للدول الأوروبية وزيادة تنامى اليمين المتطرف الذى يرى فى المهاجرين من سوريا تغيراً فى الهوية الثقافية الدينية أيضاً، وتعرض بعض المهاجرين لأعمال عنف فى بعض البلدان وأُطلق على بعضهم الرصاص على الحدود التركية، وتبنى الاتحاد الأوروبى سياسة الانتقاء ومحاولة إدماج المهاجرين فى المجتمعات الأوروبية إلا أنها لا تزال تشكل هاجساً مرعباً على المدى البعيد للأوروبيين، وبعض البلدان بدأت فى انتهاج سياسة مضادة للمهاجرين بالمخالفة لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لعام 1951.

لذلك جاءت مبادرة البرلمان العربى بشأن اللاجئين السوريين ولقاءات الوفد بالمفوض السامى لحقوق الإنسان ومنظمة الهجرة الدولية ومفوضية شئون اللاجئين لبحث مشكلة المهاجرين السوريين فى أوروبا والبحث عن سبل لتحسين أوضاعهم المعيشية والتأكيد على استعادة المهاجرين فور توقف الحرب فى سوريا والوصول إلى حل نهائى يضمن بموجبه المهاجرون الأمان على أنفسهم وحياتهم فى وطنهم سوريا، فقضية المهاجرين يجب أن تتحمل كل الأطراف العربية والأوروبية والدولية مسئوليتها على أساس المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ودون أى مفاهيم عنصرية أو يمينية تهدد حياة المهاجرين، فحتى وجودهم داخل المجتمعات المستقبلة لهم يشكل فرصاً أكثر من المخاطر.