الأسطورة!

ربما اختلفت مع كل ما ذكره التاريخ عنه.. إلا أن قصته ستظل أقرب إلى الأساطير منها للواقع.. وسيظل يستحق ذلك اللقب الذى ناله من أعدائه ولم ينله ممن حوله.. صقر قريش..!

إنه عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك.. الشاب الصغير الذى سقطت الدولة الأموية وهو شاب لم يكمل العشرين من عمره.. ولكنه تمكن من الهرب فى قصة أقرب للخيال الذى تقدمه لنا الحكايات الشعبية.. حتى وصل إلى أرض الأندلس.. فوحدها تحت راية الأمويين مرة أخرى.. وأسس دولة قوية استمرت بعده قرابة الثلاثمائة عام فيها..!

والواقع أن لقب الأسطورة لم يكن يحمل مبالغة من أى نوع.. فقد روى أن عمه مسلمة بن عبدالملك كان له باع طويل فى الفلك والتنبؤ قد وصلته نبوءة أن عدواً سيأتى من الشرق ويقضى على الحكم الأموى.. إلا أن فتى أموياً سوف يتمكن من إقامته مرة أخرى فى بلاد الأندلس..! يقول الراوى إن مسلمة عندما نظر إلى عبدالرحمن للمرة الأولى تبسم فى سعادة.. ثم قال: الآن لا خوف على حكم بنى أمية!

لا أعرف مدى صحة تلك الرواية التى ذكرها مؤلف مجهول لكتاب يدعى «أخبار مجموعة».. ولكنها تتسق مع قصة ذلك الهارب الصغير.. ربما لهذا السبب ارتبطت به وصدقها الناس.

لقد كانت قصة هروب عبدالرحمن الداخل من محاولات العباسيين لقتله مشوقة بالفعل.. فقد تمكن من الإفلات منهم أكثر من مرة أثناء هروبه من الشام حتى وصل لأرض الأندلس.. وكان قد وصلها فى خضم الصراعات بين الولايات فيها.. فتمكن من توحيدها والقضاء على الفتن والثورات.. حتى أسس دولته!

أما سبب تسميته بصقر قريش فقد تتعجب حين تعرف أن من أطلق عليه هذا اللقب هو من كان يبحث عنه ليقتله.. إنه الخليفة أبوجعفر المنصور نفسه.. فيحكى أن «المنصور» قد سأل يوماً بعض جلسائه: أخبرونى من صقر قريش من الملوك؟!

فحاول الجالسون منافقته فقالوا: ذاك أمير المؤمنين، الذى راض الملوك، وسكن الزلازل، وأباد الأعداء.. فأجابهم المنصور: ما قلتم شيئاً.. صقر قريش هو عبدالرحمن بن معاوية.. الذى عبر البحر.. وقطع القفر.. ودخل بلداً أعجمياً منفرداً بنفسه، فمصر الأمصار وجند الأجناد.. ودون الدواوين وأقام ملكاً عظيماً بعد انقطاعه.

وتعتبر شهادة «المنصور» هى أعظم ما يمكن الاستناد إليه حين نبحث عن سيرة عبدالرحمن الداخل.. فالفضل هو ما شهد به الأعداء.. وتشير تلك الشهادة إلى أن نظرة المنصور له لم تكن نظرة إكبار فقط.. فقد كانت تجمع إكباراً وهيبة وتوجساً!

لقد تمكن الشاب الصغير أن يوحد الأندلس بأكملها وهو فى الخامسة والعشرين من عمره.. وأسس دولة تعد من أكثر الدول فى التاريخ الإسلامى قوة وتحضراً.. دولة ربما نتحسر على زوالها حتى الآن..!

وللحديث بقية..!