البطولات الدرامية

البطولات السينمائية والتليفزيونية وإشكالياتها ولغزها المحيّر، من النجم البطل الذى يُسمى العمل الفنى باسمه؟ وما المعايير والمقاييس العالمية والمحلية لاختياره؟!

أهو الشاب الممشوق والفتاة الجميلة (البطل الحلم) والنموذج المكتمل، ذو الوسامة والشهامة، جميل الطلّة بهى الحضور؟!! أم هو صانع الخوارق والمعجزات، ذو العضلات والصيحات، البطل الذى يكسر الحوائط ويخترق المياه ويعبر النار دون أن يُصاب بأذى، بأفلام الأكشن والتشويق، أم هى فنانة الإغراء والفتنة؟! أو ربما كان ذا الدم الخفيف وصانع البهجة والابتسامة، راسم الضحكات، مزيل العذابات، الذى يكون غالباً فاقداً للصفات السابقة، ويعوض ذلك بطريقة إلقائه للنكات والإفيهات، أو بحركات وجهه وجسده.

بعض الأبطال تأتيهم النجومية متأخرة، رغم وجودهم المبكر بمجال التمثيل! حينها تتساءل ألم يكونوا يمثلون من قبل؟!! ولماذا تتشابه الصفات ذاتها فى نجوم بأعينهم، فيكون أحدهم نجم شباك وبطلاً أوحد، وزميله بنفس الطعم والإمكانات، لم يتجاوز الأدوار الثانية وإن شهد له الجميع بالبراعة والتفوق!!

لماذا نُفاجأ بصور نجوم ونجمات غناء وتمثيل كانوا مجرد «موديلز» إعلانات وكليبات فى أول شبابهم! أو من ضمن «الكومبارس الناطق» ألم يكونوا بالمواهب نفسها، التى رشحتهم اليوم للصدارة!!

ولماذا يبرز نجم البعض ويغيب البعض الآخر، ولماذا نجد نجوماً فى السينما العالمية والمحلية والتليفزيون ليس لهم أى علاقة بالمواصفات التقليدية للنجومية، ومع ذلك هم أبطال!!!

ولماذا، فى كل زمان وعصر، يخرج جيل جديد من الشباب، فى بطولات جماعية، ثم لا يلبث أن يحدث فرز لتلك الوجوه، فرز وتصفية تحار فى أمرها، فيبرز من بينهم من يتصدّر الشاشة ويذهب البعض إلى صفوف خلفية ويختفى آخرون إلى الأبد.

بالتأكيد للأمر علاقة بالتميُّز والحضور والموهبة، بجانب الحصول على الفرص، والكتابة الجيدة للأدوار أو تلميع الإخراج للبطل، إذ إنه فى بعض الأعمال يصنع الأبطال صناعة كاملة، أبطال لأعمال بعينها، وجوه جديدة تماماً، بعضهم يستغل الفرصة ويُحقق وجوداً دائماً وحقيقياً، والبعض الآخر ينتهى بانتهاء الفرصة الكبرى، ونجد هذا واضحاً فى أبطال أفلام يوسف شاهين، الذين سرعان ما يخبو نجمهم ويأفل بمجرد انتهاء الفيلم الذى صنعوا من أجله.

أما الحرفية والأداء القوى، فلا علاقة له بالبطولة أبداً، فتلك القدرة على تقمص الأدوار الصعبة والمعقّدة والانخراط بها، غالباً لا توجد فى أدوار البطولة المثالية التى تخلو عادة من جوانب التعقيد أو السلبية، لإظهار البطل مثالياً سوياً، ضحية فى أغلب الأحيان، لهذا ترى فناناً كمحمود المليجى لم يكن نجم شباك أبداً.

تشهد الآونة الأخيرة ظاهرة الأبطال ذوى الأدوار الثانوية أو الذين تأخرت نجوميتهم بسبب عدم حصولهم على فرص حقيقية، أو لعدم تمتّعهم بما سبق ذكره من مواصفات البطولة، وهؤلاء تجدهم بالكثير من الأعمال الدرامية بالتوازى فى الوقت ذاته، وكأنه اعتراف ضمنى بتميّزهم وأحقيتهم بالوجود وبقوة، إذ إن ما يضيفونه على الأعمال لا يقل بأى شكل من الأشكال عن أدوار البطولة.

كذلك هناك أبطال جدد، تمت صناعتهم بمواصفات خاصة، تشبه قطاعاً من المجتمع، «الأبطال الشعبيون» أبطال العشوائيات والشوارع والأزقة، أبطال تتعاطى المخدّر وتحمل السلاح وتتعامل بالبلطجة، أبطال يشعر معهم جزء من المجتمع بالتوحّد والتعبير عن الذات، وكأنه يقول للجزء الآخر من المجتمع ذاته: «نحن هنا»، نحن موجودون على نفس أرضكم، وهذه طقوسنا، وهذا لون حياتنا، نحن لا نشبه تلك النجوم اللامعة، المتأنقة التى تعرض حياة لا علاقة لنا بها، وهى رسالة مجتمعية مهمة تستدعى الانتباه، يحملها أبطال المرحلة وإن لم يعوا هم أنفسهم هذا صراحة.

هذه معايير وأشكال البطولات عموماً، ويبقى المعيار الخفى والمهم هو القدر والقبول والرزق والحظ، فهناك مئات الموهوبين الذين إلى الآن لم تتح لهم فرص لائقة للظهور واستعراض إمكاناتهم التمثيلية كاملة، كما أن الكثير أيضاً أتيحت لهم فرص دون أن يتمتعوا بموهبة حقيقية أو تميّز، ومن يدرى ما معايير الغد فى اختيار الأبطال؟ فلربما لحقنا بالسينما العالمية التى باتت تصنع من الحيوانات والكائنات الفضائية والآليين نجوماً وأبطالاً حقيقيين.