المجلس القومى للمستقبل.. دعوة متجددة!

أحمد شوقى

أحمد شوقى

كاتب صحفي

قد تكون هذه المرة الثالثة أو الرابعة، التى أجدد فيها الدعوة إلى إنشاء هذا المجلس، الذى أرى أن دوره وضرورته لا يقلان أهمية عن العديد من المجالس القومية الأخرى.

كانت البداية فى عام 1999، عندما قدمت مقترح إنشائه فى لقاء المثقفين مع رئيس الدولة فى معرض الكتاب، وأحاله إلى رئيس الوزراء للدراسة، ولا أعتقد أنه ما زال يدرسه.

وقد تمت الإشارة إليه فى الصفحة الأولى من «الأخبار» فى اليوم التالى، وكتب أحد كتابها مرحباً به، وبادر الدكتور أسامة الباز فى أحد اللقاءات معه باقتراح أن يبدأ العمل على تفعيله بمكتبه بوزارة الخارجية. لكن المجلس لم ير النور، وأنشئت وحدة للدراسات المستقبلية ملحقة بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء. ومع تقديرى وصداقتى لكثير ممن عملوا أو انتدبوا للعمل فى هذه الوحدة، ومتابعتى لجهودهم، بل والمشاركة فى مناقشتها، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون بديلاً عن مجلس مستقل قومى الطابع، غير تابع للحكومات، مهما حسنت النوايا. هذا الخلل المنهجى يجهض المقترح من أساسه، ولا علاقة له بإخلاص المشتغلين بالوحدة المذكورة، ولا بأهمية بعض مخرجاتها. كما أنه يختلف تماماً عن المراكز الخاصة العديدة، التى تحمل شعار المستقبل، بما لها وما عليها. إن الاهتمام بالمستقبل من قبل أية حكومة، أو ممن أنشأوا هذه المراكز، أمر محمود يزيد الوعى بهذا المجال الحيوى، لكن المجلس قومى يعد أمراً مختلفاً تماماً كما ذكرت.

قد يرى البعض أن الانتهاء من صياغة «رؤية مصر 2030» يغنى عن إنشاء هذا المجلس، لكننى أؤكد أن هذه «الرؤية» تجعل منه أمراً ملحاً. لقد تبنت وزارة التخطيط التنسيق لصياغة الرؤية المذكورة، بمشاركة أوسع دائرة من المهتمين، وأعداد كبيرة من الشباب المتميز. ويسعدنى أننى شاركت فى جلستين تمهيديتين عن الأهداف الاستراتيجية. لكن الانتهاء منها وعرضها للنقاش، وهو الأمر الذى سنعود إليه تقديراً لما بذل فيها من جهد، يعدان بداية الطريق لا نهايته. والمجلس القومى للمستقبل سيكون العون الأكبر للوصول إلى أهدافها الطموحة، وتأكيد طابعها القومى الشامل، بل وضمان ديناميكياتها واستجابتها المستمرة للظروف المحيطة، ومتابعة العمل فيها بتواصل مستمر مع مؤسسة الرئاسة والبرلمان، ومساعدتهما فى تقييم كفاءة الحكومات المتعاقبة فى الاستجابة لمتطلباتها. لقد كانت «الرؤية» أمراً جيداً، لكن تفعيلها وتطويرها المستمرين على المستوى القومى يعدان مطلباً ضرورياً، نجدد الدعوة إلى إنشاء المجلس القومى للمستقبل من أجله.

والواقع أن تأكيدنا على استقلالية وهوية المجلس المقترح لا يأتيان من فراغ، ولكن من طبيعة كل المجالس المماثلة من ناحية، ومن دوره الخاص من ناحية أخرى. هذا الدور لا يتسق مع التبعية لأية حكومة، لأن الحكومات تنشغل بقضايا الحاضر، وتنظر إلى المستقبل باعتباره «حاضرها الممتد»، التى ترى من حقها ومن واجبها الاستمرار فيه، وتعمل على إثبات جدارتها بهذا الاستمرار. وهذا شىء منطقى لا غبار عليه، لكن «فلسفة المستقبل» تقوم على تجاوز الحاضر وصولاً إلى الصورة المأمولة لمستقبل الوطن. ويتم تقييمها وقدرتها على البقاء وفقاً لهذه الفلسفة. إن الدستور يعطى للرئاسة والبرلمان حق هذا التقييم، والمجالس القومية تعد الكيانات المتخصصة التى تساعد فى ذلك وأكثر. إنها تقدم الدراسات والمقترحات والتقارير الميدانية، وتسهم فى تطوير الخطط والسياسات ذات الصلة بمجالها، وتساعد فى طرح مقترحات التشريعات المطلوبة التى يستفيد منها البرلمان.. إلخ. ألا يستحق مستقبل الوطن مجلساً يقوم كذلك؟ أدعى أن دوره أشمل وأكمل من كل المجالس الأخرى، مع كل التقدير لدورها الذى لا يمكن أن ينكره أحد.

وحتى لا يكون مقترحنا نظرياً فقط، يحسن أن نرفقه بتصورنا عن المكونات الرئيسية لهذا المجلس. أول هذه المكونات، وعقلها المفكر مجموعة من الخبراء واسعى الثقافة والمعرفة من المهتمين بالدراسات المستقبلية (Think Tank)، يساعدها ذراع معلوماتية تتابع المشهد العالمى للدراسات المستقبلية فى مختلف المجالات، وتتيحها للخبراء بالشكل الذى يتيح لهم العمل فى ضوء الارتباط العضوى بين مستقبل مصر ومستقبل العالم، وذراع أخرى بحثية يحيلون إليها الموضوعات التى تحتاج إلى الدراسات المتعمقة بالمرجعية والأدوات الخاصة بالدراسات المستقبلية التى شبت عن الطوق، وصارت لها مناهجها ومخرجاتها المحترمة. هاتان الذراعان يستلزمان الاستعانة بالشباب المدرب على القيام بمهامهما بالكفاءة المطلوبة، والمنفتح على العالم فى هذه المجالات، تعليماً وتعلماً واحتكاكاً بكل المدارس والاتجاهات. ولا بأس من استكمال أى نقص فى تأهيل وتمكين هؤلاء الشباب، لأن العائد كبير ومضمون، حيث يعنى العمل على صياغة مستقبلنا بمنهج علمى، ولا نرى بديلاً أمامنا وأمام البشرية كلها عن «الخلاص بالعلم» لحل كل المشكلات الحالية والمفاجئة، والعمل على بناء مستقبل أفضل لنا ولغيرنا. وفى سياقنا الخاص، نتمنى أن يسهم المجلس المقترح فى ذلك، راجين ألا نحتاج إلى معاودة الدعوة إلى إنشائه، دعونا نأمل فى الاحتفال ببدء العمل فيه.