الصحافة القومية فى انتظار «جودو»

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

قال لى اثنان من كبار المسئولين فى مؤسستين صحفيتين قوميتين إن العمل فيهما يكاد يكون متوقفاً، العمل يتعلق بما هو ضرورى جداً ويومى، ونادراً ما يتم بحث شىء يتعلق بخطط بعيدة أو متوسطة المدى، فالكل فى حالة انتظار، الصحفيون ينتظرون تغييرات رؤساء التحرير، والإداريون ينتظرون تغييرات رؤساء مجالس الإدارة، والكل يتوقع حدوث شىء ما قبل نهاية هذا الشهر، الذى يصادف مرور عام كامل على استمرار المجلس الأعلى للصحافة بعد انتهاء مدته القانونية، التى حددها التعديل الصادر فى عهد الرئيس الانتقالى المستشار عدلى منصور بعامين فقط، ولكنها زادت إلى عام ثالث بحكم ما يعرف بالقرار السلبى المتمثل فى امتناع الجهة صاحبة القرار عن اتخاذ القرار، وبالتالى بقى الوضع على ما هو عليه، فهل يبقى لعام رابع؟ هنا مربط الفرس.

باختصار الجميع ينتظر «جودو»، ينتظر الخروج من حالة يراها على الأقل متعثرة إلى حالة تبعث على الأمل، فى الوقت نفسه تنطلق الإشاعات من يصلح لهذا المنصب ومن لا يصلح، وهناك من يسعى ممن هم أقل من الستين عاماً، وله الحق فى ذلك أن يتبوأ منصباً تحريرياً أو إدارياً، ويراه مُستحقاً بحكم خبرته وعطائه، وربما أيضاً بحكم أن لديه رؤية للإصلاح يروج لها لدى جهات مختلفة لعلها تدعمه فى الحصول على المنصب محل الطموح إن حدثت التغييرات المرتقبة.

كان تغيير المجلس الأعلى للصحافة مرهوناً بصدور قانون الصحافة الجديد، وتحديداً قانون يخص الهيئة الوطنية للصحافة التى ستحل محل المجلس، ويكون من أدوارها الرئيسية إدارة التغيير وترشيد الإنفاق والارتقاء بالضوابط المهنية ووضع خطط الإصلاح الهيكلى للمؤسسات الصحفية القومية الثمانى، وكما هو ظاهر فثمة عقبة كبيرة فى صدور قانون الإعلام الموحد الذى انتهت إليه مجموعة من الصحفيين والإعلاميين وبعض الخبراء، وقيل إن لقاءات مع ممثلى الحكومة قد وضعت لمساته النهائية وإن الحكومة بصدد إرساله للبرلمان من أجل إقراره بعد عرضه على مجلس الدولة، العقبة الكبرى هنا أن هناك فى عقل الحكومة الباطن اقتناعاً بأن مشروع القانون الذى ينظم إنشاء ثلاثة كيانات تخص المجلس الأعلى للإعلام، وهيئة وطنية للصحافة القومية وهيئة أخرى للإذاعة والتليفزيون المعروف بماسبيرو، هو مشروع غير دستورى، وأن الأفضل إصدار ثلاثة قوانين تخص تشكيل كل هيئة على حدة، ويكون لهذه الهيئات بعد تشكيلها الحق فى مشاركة الحكومة فى صياغة ومراجعة أى قوانين تخص مجال عملها.

هذه القناعة الحكومية موجودة منذ فترة وليست جديدة، وأذكر هنا أن نائباً برلمانياً له باع فى أمور الإعلام ومُطلع على التفاصيل ذكر لى بالنص منذ شهرين «أن الحكومة مرعوبة من رفض مشروع قانون الإعلام الموحد، إذ لا تريد أن تدخل فى معركة مع الصحفيين، وفى الوقت ذاته ترى أن فرص تمريره من البرلمان ضعيفة لأنها تدرك أنه غير دستورى وأن فى البرلمان أعضاء كثيرين مقتنعين بهذا أيضاً». وهنا يطرح التساؤل ما هو المخرج؟ البعض رأى أن المخرج يكمن فى إعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة، على أن تعطى له كافة الحقوق فيما يتعلق بالمؤسسات الصحفية القومية، وأن يكون له المشورة فيما يتعلق بأى قانون جديد يتعلق بالصحافة ككل والهيئة المنصوص عليها فى الدستور. بيد أن هذا المخرج واجه إشكالية قانونية تتعلق بأن التعديل الصادر فى عهد المستشار عدلى منصور قَيّد المجلس الراهن فى مدته بعامين، وفى تغيير رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارة لمرة واحدة فقط، وبالتالى لا بد من تشريع جديد يتيح لصانع القرار أن يتخذ خطوة إعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة لمدة محددة أو بدون مدة معينة، على أن يتولى شئون الصحافة كما هى واردة فى القانون 96 لسنة 1996. وبالنظر إلى التحرك الذى قام به الصحفى والنائب البرلمانى مصطفى بكرى وعدد من النواب باقتراح صدور قانون بتعديل المادة التى سبق تعديلها وبحيث يعطى التعديل الجديد الحق لرئيس الجمهورية بتشكيل المجلس الأعلى لمدة مفتوحة، وفى حالة تحوله إلى قانون فى الأيام القليلة المقبلة، تكون مشكلة الأساس القانونى لإنشاء مجلس أعلى جديد للصحافة قد حُلت، وهو ما سيفتح الباب أمام تحريك الأوضاع ولكن جزئياً، والغالب أن تشكيل المجلس الأعلى للصحافة الجديد سيأخذ ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر قياساً إلى السوابق فى هذا الأمر، وأيضاً استناداً إلى أن الحكومة تتعثر غالباً فى «شبر مية»، ومع افتراض أن المجلس الجديد قد تم تشكيله فى غضون هذه المدة فسيكون عليه استلام الملفات الصعبة من المجلس السابق له، وإلى حين دراستها ووضع الضوابط والمفاهيم الجديدة لتغيير رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارة، فهناك حاجة إلى ما لا يقل عن ثلاثة أشهر أخرى، وبالتالى ستظل المؤسسات الصحفية فى حالة انتظار قد تمتد ما بين أربعة إلى ستة أشهر أخرى إن لم يكن أكثر.

الأسئلة التى تطرح نفسها فى هذا السياق كثيرة، أهمها من وجهة نظرى هل يمكن أن تشهد المؤسسات الصحفية القومية التى يعمل فيها أكثر من 60% من إجمالى عدد الصحفيين المُقيدين فى النقابة، نقلة حقيقية بمجرد تغيير الأشخاص فى المناصب القيادية العليا تحريرياً وإدارياً، أم أن الأمر أعمق من ذلك وأكثر تعقيداً؟ المطلعون على أحوال هذه المؤسسات وبحكم خبرة عملية سابقة يرون أن الأشخاص مهما كانت لديهم رؤية إصلاحية جذرية، لن يمكنهم التقدم للأمام ولو خطوة واحدة إلا من خلال تعديل جذرى فى قناعات العاملين فى هذه المؤسسات واعترافهم بضرورة قبول بعض التضحيات من أجل بقاء مؤسساتهم، وكذلك تغيير طبيعة ملكية هذه المؤسسات، فإما تكون حكومية بالكامل ولها مخصص محدد فى الموازنة العامة للدولة كما هو الحال بالنسبة لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أو أن يتم توسيع الملكية بضم العاملين بنسبة محددة وبضوابط معينة تحول دون دخول عناصر غير مصرية فى ملكية هذه المؤسسات، وبالتالى يحدث تدفق مالى وتغيير فى تركيبة الجمعية العمومية ومن ثم فى طريقة اختيار ومحاسبة القيادات العليا، هو تغيير جذرى يحتاج إلى إرادة إصلاحية كبرى، أما بقاء الأوضاع بنفس طريقة التفكير السائدة منذ خمسة عقود، فلن يحدث شىء، وسيظل الجميع فى حالة انتظار إلى مدى لا يعلمه إلا الله.