ترامب رئيساً لأمريكا.. الاحتمال وارد

ما كان مجرد احتمال نصيبه من الفشل أكبر من نصيبه من النجاح، أصبح جزءاً من واقع قوى يصعب تجاهله أو إنكاره بل ثمة ما يشير إلى إمكان نجاحه، ليصبح المرشح الجمهورى ترامب، ملياردير العقارات الذى لم يفصح بعد عن حجم ضرائبه، رئيساً للولايات المتحدة بعد أن خاض الانتخابات التمهيدية بنجاح، وهزم كل المرشحين باسم الحزب الجمهورى وعددهم ستة عشر مرشحاً، من بينهم حكام حاليون وسابقون للولايات وأعضاء مؤثرون فى مجلس الشيوخ وحزبيون من الوزن الثقيل يشكلون أعمدة الحزب الجمهورى، هزمهم ترامب جميعاً على نحو متتابع، رغم الحملات الضخمة التى شنتها الصحافة الأمريكية ضده تتهمه بالسوقية والجهل والشعبوية والحماقة!

والمدهش الغريب أن الحزب الجمهورى الذى اختلف أقطابه حول ترامب، بدعوى أنه لا يصلح البتة لتولى منصب رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، الذى يختص وحده بإطلاق حرب نووية كونية، يعاود من جديد التجمع حول ترامب، ابتداء من السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، الذى اتهم ترامب قبل أسابيع بأنه رجل خطير غير مؤهل لأن يقود الولايات المتحدة أو يسيطر على قدراتها النووية، محذراً من مغبة تمزيق الحزب الجمهورى إذا نجح فى تسمية ترامب مرشحاً باسم الجمهوريين، يؤكد الآن أنه سوف يحضر مؤتمر الحزب الجمهورى فى مدينة كليفلاند، ويشرفه أن يكون إلى جوار ترامب الذى بات واضحاً استحالة وقف ترشيحه بعد أن هزم كل منافسيه، وهذا ما فعله أيضاً عديد من منافسى ترامب السابقين بمن فيهم كريسى كرستى محافظ نيوجرسى، وحتى السيناتور بول ريان، رئيس مجلس النواب، يراود نفسه أخيراً على قبول ترامب مرشحاً للحزب الجمهورى!

ولم يعد باقياً من كتلة المعارضين لترامب داخل الحزب الجمهورى سوى أسرة بوش الأب والابن وثالثهم جيب بوش الابن الثانى الذى هزمه ترامب فى الانتخابات التمهيدية، إضافة إلى السيناتور جون ماكين، رئيس لجنة الأمن القومى فى مجلس الشيوخ، وأغرب ما فى الأمر أن هذا التكتل كان يضم أيضاً وزيرة الخارجية السابقة كوندليزارايس وعدداً آخر من أقطاب الحزب الجمهورى، يرفعون جميعاً شعار (كله إلا ترامب)، بل لقد وصل التفكير لدى عدد من هؤلاء حد إعلان عزمهم على التصويت لمرشحة الحزب الديمقراطى هيلارى كلينتون بهدف إسقاط ترامب، لأنهم يعتقدون أن انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة يمكن أن يكون له أثره الكارثى على سياسات أمريكا الخارجية وعلاقاتها بالعالم، خاصة الصين التى ينتقدها ترامب بقوة لنجاحها فى اختراق التجارة الداخلية الأمريكية، والمكسيك بسبب قضية الهجرة، حيث أعلن ترامب عزمه على بناء سور ضخم بطول حدود المكسيك يمنعهم من دخول أمريكا، إضافة إلى المسلمين الذين هدد ترامب بمنعهم من دخول الولايات المتحدة!

وخارج هذا التكتل لم يتورع الرئيس أوباما عن توجيه أقصى الاتهامات إلى ترامب بما فى ذلك الحماقة والجهل بشئون السياسة الخارجية، عندما أعلن أنه لا يعرف إن كان على رؤساء الدول الأجنبية أن يأخذوا تصريحات المرشح الجمهورى بالجديةّ! لأنها تنطوى على كثير من الآراء التى تنم عن جهل بشئون العالم، وبدلاً من التفكير بعمق فى كيفية الحفاظ على أمن الولايات المتحدة، يفكر المرشح الجمهورى بعقلية من يكتبون عناوين مثيرة للصحف!

وقد لا يكون ترامب موضع توافق أغلبية الأمريكيين، خاصة أن استطلاعات الرأى العام الأمريكى تشير إلى أن 45% من الأمريكيين لا يفضلونه رئيساً للولايات المتحدة، لكن الأمر لا يختلف كثيراً مع هيلارى كلينتون التى لا يفضلها 47% من الأمريكيين، بل إن 6 من كل 10 أمريكيين لديهم بعض الانطباعات السلبية عن كل من المرشحين ترامب وكلينتون، وثمة ما يشير إلى أن الانتخابات العامة التى تشكل الجولة الأخيرة للانتخابات الرئاسية فى نوفمبر المقبل سوف تكون صعبة وقاسية وجد تنافسية بالنسبة للمرشحين اللذين لا يحظى أى منهما بحرارة حماس الناخبين، وبينما لا تتجاوز نسبة الذين يفضلون ترامب رئيساً للولايات المتحدة 43% وهى النسبة نفسها التى حصلت عليها هيلارى، يفضل 44% من الأمريكيين أن تكون هناك فرصة لمرشح ثالث غير ترامب وهيلارى.

صحيح أن نسبة أكبر من الأمريكيين يرون أن كلينتون مؤهلة أكثر لأن تكون رئيساً للولايات المتحدة، لخبرتها فى الشئون السياسية والدولية وتجاربها السابقة فى إدارة الأزمات، فضلاً عن خبرتها كعضو فى مجلس الشيوخ الأمريكى وزوجة للرئيس الأسبق كلينتون، لكن نسبة مماثلة تفضل ترامب لأنه يأتى من خارج المؤسسة الحزبية ولا ينتمى لطبقة السياسيين الأمريكيين التقليدية.

وعلى عكس ما يحدث فى الحزب الجمهورى الذى تجمع أخيراً حول ترامب بعد طول شتات بنسبة وصلت إلى حدود 86% وكانت قبل أسابيع فى حدود 72%، ينقسم الديمقراطيون الآن حول هيلارى كلينتون التى انخفضت نسبة تأييدها داخل الحزب الديمقراطى من 87% إلى 84% بعد أن تفوق عليها المرشح اليسارى بيرنى ساندرز فى عدد من جولات الانتخابات التمهيدية الأخيرة، ولا يبدو أن مساندة الرئيس أوباما القوية لهيلارى كلينتون سوف تساعدها كثيراً، رغم أن أوباما استعاد أخيراً بعض شعبيته، لكن نسبة التأييد لأوباما فى استطلاعات الرأى العام الأمريكى الأخيرة لا تزال تقف عند 51%.

والحق أن جمهور الناخبين الأمريكيين يعانى فى الانتخابات الرئاسية الراهنة من بعض السأم نتيجة الحاجة المتزايدة إلى بعض التغيير، إلى حد أن 53% من الناخبين الأمريكيين يفضلون رئيساً جديداً للولايات المتحدة يحدث تغييرات كبيرة وضخمة فى واشنطن، مقابل 43% يؤكدون أنهم فى حاجة إلى سياسات مستقرة هادئة مع بعض التغيير الطفيف.

أغلب الظن أن حملة هيلارى كلينتون دخلت مرحلة صعبة بعد صدور تقرير المفتش العام لوزارة الخارجية الأمريكية فى حادثة استخدام هيلارى لبريدها الإلكترونى الخاص المتعلق بقضاياها الشخصية فى أعمالها الرسمية كوزيرة للخارجية الأمريكية، صحيح أن هيلارى لم تكن الوحيدة التى فعلت ذلك وقد سبقها وزراء كثيرون لكن هيلارى أفرطت فى استخدام بريدها الإلكترونى الخاص إفراطاً شديداً، والأكثر خطورة من ذلك أن هيلارى أعلنت أنها حصلت على موافقة من الخارجية الأمريكية سمحت لها باستخدام بريدها الإلكترونى الخاص، ثم كشف التحقيق أنها لم تراجع وزارة الخارجية فى استخدام بريدها الإلكترونى الخاص ولم تحصل على أى موافقات على هذا الاستخدام، والأكثر خطورة من ذلك، أنه عندما طلب المفتش العام لوزارة الخارجية سؤال هيلارى فى هذه الوقائع، امتنعت عن المثول أمام النائب العام بما رجح احتمال أن يكون لدى كلينتون ما تحرص على إخفائه وإلا استجابت لطلب التحقيق.

والحق أن تقرير المفتش العام للخارجية الأمريكية غذى الكثير من الشكوك حول مدى الثقة فى شخصية هيلارى كلينتون، ولأن الأمر يتعلق بإجراءات واجبة التطبيق والنفاذ حفاظاً على أمن وسرية معلومات تتعلق بمصالح الدولة العليا، أصبحت الشرطة الفيدرالية طرفاً فى تحقيق القضية التى كبرت إلى حد كسر الثقة فى وزيرة الخارجية الأسبق، فإذا وضعنا فى الاعتبار أن هيلارى كلينتون لم تكن الشخصية المحببة التى تحظى بود الأمريكيين، بات واضحاً لماذا تتعادل الآن كفة هيلارى كلينتون مع كفة المرشح الجمهورى ترامب، رغم اختلاف الناخبين لكل منهما، لأن جمهور المرشح الجمهورى هم فى الأغلب الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى من البيض غير المؤهلين عالياً، العاملين فى الوظائف الدنيا وأغلبهم من الرجال، يكرهون السود ولا يحبون المهاجرين الأجانب ويتمتعون بعقليات محافظة شديدة الحماس والولاء لمرشحهم الجمهورى ترامب، يعتبرونه بمثابة (الولد الشقى) الذى يخوض من خارج الحزب والمؤسسة الحاكمة معركة شرسة تسببت فى كسر توازنات أساطين الحزب الجمهورى، فضلاً عن توجه نسبة كبيرة من المحافظين الجدد (الإيفانجيليون) إلى إعطاء أصواتهم لترامب، بينما يضم جمهور الناخبين لهيلارى كلينتون الملونين والأمريكيين من أصول إسبانية وأفريقية يشكلون جميعاً العناصر الأساسية فى الحزب الديمقراطى، إضافة إلى أغلبية النساء واللاتينيين والليبراليين والقوى السياسية التى تساند الرئيس أوباما.

ومع ذلك يظل السؤال المعلق قائماً، هل يمكن للأمريكيين الذين انتخبوا قبل ثمانية أعوام رئيساً أسود للولايات المتحدة، أن ينتخبوا هذه المرة رئيساً عنصرياً من خارج المؤسسة الحاكمة، يركز على قضايا الإرهاب والهجرة والأجور والتجارة الداخلية رغم قلة خبرته ومعرفته بقضايا السياسة الخارجية؟ أظن أن تساوى نسب التأييد لكل من هيلارى وترامب فى معظم استطلاعات الرأى العام الكبرى، وعدم نجاح أى منهما فى الحصول على نسبة 50%، يعنى أن الاحتمال وارد رغم مخاطره ورغم تأكيدات الرئيس أوباما بأن الناخب الأمريكى سوف يأخذ القرار الصحيح أمام صندوق الانتخابات.