أزمة شارل ديجول

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

بعيداً عن عبثية ما طرحه الإعلام الغربى وتناقضاته الواضحة فى التعامل مع حادثة سقوط الطائرة المصرية المنكوبة يوم الخميس الماضى فى البحر المتوسط، وبين تعامله مع حادثة الطائرة الروسية فى نهاية أكتوبر الماضى فى شرم الشيخ، أجدنى أتساءل عن مهنية يصرون على الحديث عنها ليل نهار تجاه تعاملهم مع قضايانا.

ففى غضون ساعات بسيطة من حادث الطائرة الروسية كانت بريطانيا وأمريكا قد أعلنتا عن سبب السقوط وكيف أنهما أبلغتا روسيا بزرع قنبلة على الطائرة نتيجة تدنى وضعية التأمين فى مطارات شرم الشيخ وعدم احترافية الأمن المصرى. وفى غضون ساعات أعلنت روسيا سحب 79 ألف سائح روسى من مصر، وأعلنت ألمانيا وبريطانيا وقف رحلاتهما السياحية لنا. لم يسمح أحد لمصر أن تعلن كلمتها، ولم يقف العالم المتقدم فى أمريكا وأوروبا ليتساءل للحظة واحدة كيف يمكن إثبات الفرضية التى يتحدثون عنها هكذا عن بُعد وبلا تحقيق؟ ولماذا لم يتم إخبار روسيا أو مصر بالمعلومة إن كانت قد وصلت قبل الحادث لاتخاذ التدابير اللازمة قبل إقلاع الطائرة؟ وبات اللوم كل اللوم على بلادى التى أعلم علم اليقين ما تعانيه من مشكلات وما تسعى له فى طريق شاق ولكن ليس هكذا يكون التعامل.

ثم جاءت حادثة طائرة مصر للطيران الأخيرة -التى يتحدث الكثير من الخبراء عن ترجيح احتمالية العمل الإرهابى بها- لتثبت حجم العبث وغياب المنطق لدى من يدّعون الشفافية فى الخارج والداخل. فمع فرضية أن الطائرة كانت فى مطار أسمرة بإثيوبيا ومطار تونس قبل يوم من رحلتها لباريس يبقى تأمين الطائرة على دولة الإقلاع للرحلة الأخيرة. أى إن تأمين الطائرة ومراجعتها كان يجب أن يتما فى مطار شارل ديجول الذى لم يرد فى جملة مفيدة واحدة فى إعلام الغرب الشفاف النزيه وإعلام الداخل الذى لا يعرف إلا جلد بلاده بكلمات بلهاء يرددها ليستند عليها من يتربصون بنا بمنطق «وشهد إعلامى من أهلها». ولكن السؤال الذى يتجنبون طرحه فى تلك المأساة يتجسد فى: هل بات أمن مطارات أوروبا جميعها محل شك بعد تلك الحادثة، خاصة إن أثبتت التحقيقات انفجار جسم الطائرة فى الجو؟ هذا هو السؤال يا سادة فى ظل واقعتين هزتا أوروبا لتستيقظ على ما بها من خلايا إرهابية.

تفجيرات باريس فى شهر نوفمبر الماضى وما تبعها من مراجعة فرنسا لنحو 80 ألف عامل بمطاراتها واستبعاد 75 عاملاً وموظفاً منها وجدت السلطات أن فى سلوكهم تعاطفاً مع الإرهابيين، وتفجيرات بلجيكا الأخيرة فى شهر مارس الماضى والتى طالت مطار بروكسل ومحطات مترو. نعم يتحدث الإعلام الغربى على استحياء عن تأمين مطار شارل ديجول بمنطق أنه من الوارد أن يكون قد حدث له اختراق فهذا أمر طبيعى! والحقيقة أنه ليس بالأمر الطبيعى أن يحدث اختراق لمطار دولى رئيسى مثل شارل ديجول بنفس منطقهم فى عدم إمكانية قبول إمكانية حدوث اختراق لمطار شرم الشيخ وهو مطار فرعى فى مصر؟

نعم، شاء الغرب أو أبى، باتت مطاراته محل تشكك فى مستوى تأمينها فى ظل تنامى الإرهاب وتشعب خلاياه المرتبطة بشكل أو بآخر بمحركين لها فى أجهزة مخابرات الغرب ذاته. نعم، بات إعلام الغرب المتذبذب بين تصريحات أسباب سقوط الطائرة محل نظر من قبَل من صدّقوه فى الماضى وألبسوه ثوب الحياد. وتبقى بلادى فى ظل ما يمر بها من أزمات صامدة صلبة كوتد ضرب جذوره فى تربة صالحة من آلاف السنين.. واللى يعيش ياما يشوف.