يوم أن تولى محمد علي حكم مصر
منذ أكثر من 200 عام، وفي نفس تاريخ، اليوم، ولكن مع اختلاف السنوات، وتحديدًا في عام 1805 تولى محمد علي حكم مصر، وأيضًا يمكنك أن تقول انتزع محمد علي حكم مصر، فبعد فشل الحملة الفرنسية على مصر وانسحابها، أصبح المشهد فى حكم مصر منقسم بين العثمانيين والمماليك، وإذا تحدثنا عن كم الاغتيالات والانقسمات التي حدثت فى هذا التوقيت لن تكفينا سلسلة مقالات.
قرأ محمد علي، مشهد حكم مصر جيدًا بدأها بتحالفه مع "عثمان بك البرديسي"؛ للتخلص من الحاكم العثماني الجديد، والذي لم يتم يومًا واحدًا فى حكمه، ومن ثم طرد الحكم، بعدها وفي يوم الإثنين ١٣ مايو، أجمع العلماء على عزل خورشيد باشا، وتعيين محمد على واليًا مكانه، فامتنع محمد على في بادئ الأمر حتى لا ينسب إليه أنه المحرض على هذه الثورة، ولكن السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي قلداه للولاية فقبل محمد على الشروط، التي رفضها خورشيد من قبل كما أقر إلى الرجوع إلى هؤلاء الزعماء في شؤون الدولة وبهذا، ونزولا عن إرادة زعماء الشعب أصبح محمد على واليًا على مصر.
وكان أفضل ما يكون فى حكم محمد علي، هو عمله على تخلصه من أعدائه حتى يتنسى له حكم مصر فى هدوء، وكان أقوى فصيل في ذلك الوقت هم المماليك، واتخذ محمد على ترغيب المماليك فى الحكم، وأنه تسامح معهم، وكانت دعوته لهم لحضور حفل تنصيب ابنه طوسون على رأس حملة متجهة إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، وجاء زعماء المماليك بكامل زينتهم يركبون على أحصنتهم بعد أن انتهى الحفل الفاخر دعاهم محمد علي لكي يمشوا في موكب الجيش الخارج للحرب، وفي هذه اللحظة خرج الجيش من باب القلعة، وأغلقت الأبواب وانطلقت رصاصة في السماء، ولم ينتبه المماليك إلا بعد فوات الأوان! فقد كانت هذه هي الإشارة لبدء مذبحة لن ينساها التاريخ يومًا، وانهال الرصاص من كل صوب وحدب على المماليك، وقدّر المؤرخون عدد القتلى في هذا اليوم إلى أكثر من 500 مملوك.
بدأ محمد علي بعدها بناء دولة قوية من جميع النواحي حيث اعتبر مصر في هذا العصر أنها دولته، وأنه ليس فقط مجرد واليا عليها، واتجه محمد علي في إنشاء دولته الحديثة على المنهج الأوربي، واستعان بالكثير من الخبراء الأوربيين فى بناء دولته الحديثة.
وعلى الرغم من أن محمد علي باشا، كان أُميًّا لا يعرف القراءة والكتابة، وتعلمها فى سن السابعة والأربعين من عمره، ولكنه شجع على إنشاء مدارس كثيرة في مصر، وأرسل بعثات لا تحصى إلى أوروبا لتحصيل العلم، وتشجيع العلماء فى مصر، بعدها أنشأ العديد من الكليات وكانت يطلق عليها آنذاك "المدارس العليا" أول هذه المدارس كانت للهندسة بالقلعة؛ لتخريج مهندسين يتعهدون بأعمال العمران، وفي عام 1827، أنشأ مدرسة الطب في أبي زعبل بنصيحة من كلوت بك؛ للوفاء باحتياجات الجيش من الأطباء، ومع الوقت خدم هؤلاء الأطباء عامة الشعب، ثم ألحق بها مدرسة للصيدلة، وأخرى للقابلات "الولادة" عام 1829.
وأنشأ مدرسة المهندسخانة في بولاق للهندسة العسكرية، ومدرسة المعادن في مصر القديمة عام 1834، ومدرسة الألسن في الأزبكية عام 1836، ومدرسة الزراعة بنبروه ومدرسة المحاسبة في السيدة زينب عام 1837، ومدرسة الطب البيطري في رشيد ومدرسة الفنون والصنائع عام 1839، وبلغ مجموع طلاب المدارس العليا نحو 4.500 طالب.
شعر المصريون فى حكم محمد علي بأهميته كحاكم، وشعر مجلس المشايخ المصري وزعمائه، وخصوصًا عمر مكرم والشيخ الشرقاوي بأن محمد علي حقًا يريد التقدم بمصر وبناء دولة قوية سواء عسكريًا أو علميًا أو أقتصاديًا أو غيرها من جوانب الدولة التي أصبحت محورًا مهمًا في المنطقة العربية والإسلامية والإفريقية أيضًا في ذلك الوقت، وما لنا من هذه الحكايات إلا استدعاء صورة مصر من ذاكرة التاريخ، التي تذكرنا بمكناتنا قديمًا وكما كان يخبرني جدي "التاريخ يعلم كل شيء بما فيه المستقبل".
إلى اللقاء في دعوة جديدة من التاريخ في صحبته.