التعليم على أرض "جزيرة فاضل".. جهود ذاتية لمحو أمية الأطفال
![بعض اطفال الجزيرة](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/20116980581463342437.jpg)
بعض اطفال الجزيرة
غرفة بسيطة، يزينها صورًا لخرائط دولة فلسطين، وصورة للزعيم الراحل ياسر عرفات وحده، يعتبرها سكان الجزيرة الملحق الخاص بـ"الشق"، يأخذ فيه التلاميذ دروسهم كي لا يكون هناك فرقًا بين التعليم في المدرسة أو التعليم في فصل محو الأمية الخاص بالجزيرة.
- مُعلم الجزيرة: "الناس هنا مظلومة وبيعانوا من كل شيء.. وأولياء الأمور بيقاسوا ويعانوا الأمرين لإدخال أولادهم المدرسة"
محمد عبدالحميد عثمان، مُعلم الجزيرة منذ 15 عامًا، يعرفه كافة الأطفال والكبار، ويهاب منه تلاميذه ويحترمونه في الوقت ذاته، حصل على جائزة المُعلم المثالي لعام 2015/2016، يشهد له السكان بالأدب والخلق الدمس، لا يعيش في الجزيرة، لكنه يتحمل أعباء ذهابه إليها كل يوم عقب انتهاء اليوم الدراسي له في المدرسة التي يعمل بها، ليعلم الأطفال المتسربين من التعليم كي لا يتأخروا عن باقي زملائهم.
- مُعلم الجزيرة: "لما بيكون فيه حدث قوي في فلسطين بيربط الأطفال العلم على رأسهم ويغنوا نشيد فلسطين الوطني
يقول عثمان، إن التعليم في الجزيرة كمثيله في المدارس المصرية العادية، لكن به بعض الاختلافات، أهمها أن المجتمع في الجزيرة "مكافح"، يعتمد في مقامه الأول على الأب، الذي ينهي الأوراق الرسمية للأولاد ويلحقهم بالتعليم في المدارس المصرية، إلا أن صعوبة الحصول على بعض الأوراق بسبب بعض الإجراءات الأمنية، يقع أثره مباشرة على عاتق أولياء الأمور.
تعتبر الشهادة الإعدادية هي المرحلة الأخيرة لأطفال الجزيرة، بسبب اهتمامهم بالعمل، إلى جانب دفع أولياء أمورهم مصاريف الجامعات بالدولار، وهو الأمر المكلف بحسب "عثمان"، كاشفًا عن إحصائية المتعلمين بالجزيرة بقوله، "فيه تلاميذ في مدارس حكومية بنسبة 70%، والأطفال المتسربين من التعليم بنسبة 30%، بس الأطفال هنا أذكياء وعندهم وعي، الطفل لما تجيبه وتقعد معاه هتحس إنه ذكي بس محتاج دعم".
يتلخص الدعم الذي يحتاجه أطفال الجزيرة في نشر الوعي بضرورة التعليم، كما يوضح مُعلم الجزيرة، كما أن عددًا كبيرًا من سكان القرية يعملون في المهن الحرة، وآخرين يعملون في مهنة تصنيف المخلفات إلى بلاستيكية وزجاجات، مضيفًا: "الناس هنا مظلومة وبيعانوا من كل شيء، مثل رغيف العيش والتأمين الصحي والصرف الصحي، ودي كلها ضروريات وحقوق إنسانية".
يروي "عثمان"، مراحل عناء الأهالي لحصول أبنائهم على تعليم مميز، بقوله: "بعد إتمام الطلاب للمرحلة الابتدائية، يتعين على الأهالي سحب الملف من المدرسة وإتمام الورق المعتاد في كل مرحلة من مراحل التعليم، بين الحصول على جواب من حاكم قطاع غزة، وموافقة من قسم الوافدين بوزارة التربية والتعليم بالقاهرة ومثيلاتها في الشرقية، ما يُكبد الآباء عناء هم في غنى عنها، ما يدفعهم للزهق".
يكشف "عثمان" سبب وجود فصل محو الأمية كبديل للمدارس، بقوله: "المكان هنا اتعمل على روح الشيخ نصير النامولي، وكان فيه ناس بييجوا للأطفال قبل مني، لكن أنا المعلم اللي استمريت أكتر فترة"، موضحًا أن المساعدات من أهاليهم بالجهود الذاتية، مثمنا أدوار السفير الأسبق لفلسطين في مصر الدكتور بركات الفرا، وآمال الأغا، وسليم التالولي، والراحل فايق عوكل، ورئيس الاتحاد العام لعمال فلسطين السابق يوسف محمود النمنم، وحاليا صلاح رزق أبوبكر رئيس الاتحاد العام لعمال فلسطين، على جهودهم في التعليم، قائلًا عن أبوبكر: "بيتصل وبيتواصل معانا وفيه دعم معنوي وده كويس جدا ولامسه بنفسي".
يحاول المدرس الأكثر شهرة في الجزيرة توصيل المعلومات وإفهام الطلاب بطريقته الخاصة، يقول: "معظم الناس هنا عايزين شرح مبسط أو شيء سهل يوصل للتلميذ بسهولة، الطفل بيكون محتاج حنان، وأي طفل لما تكش فيه هيسيبك ويمشي، وإحنا هنا معتمدين على إننا نوصل المعلومة للطفل ببساطة، بندرس المناهج التعليمية المصرية في فصل محو الأمية بالجزيرة"، يشير "عثمان" إلى أنه بجانب الجهود الذاتية في التعليم، يتم إحياء يوم ثقافي للأطفال، لتعريفهم بخريطة فلسطين الصماء، والتحدث معهم عن حق العودة سواء عاجلًا أو آجلًا.
قوة روحية داخلية، تلمسها داخل أطفال الجزيرة، فرغم ولادتهم على أرض مصر وعيشهم فيها، إلا أن وازعًا داخليًا يدفعهم نحو حلم العودة واسترجاع الأرض المغتصبة من الاحتلال بحسب معلمهم، الذي يقول: "لما بتقعد مع الأطفال هتحس إحساس الوطن، وبتحس إنك في فلسطين، ولهجة الأطفال ما زالت فلسطينية، رغم إنهم مولودين في مصر، وعندهم إيمان كامل بحق العودة، وبحسه فيهم كل يوم".
يحاول الأطفال من الحين للآخر معرفة ما يدور في فلسطين من مُعلمهم، "كتير جدا بيسألوني أسئلة محرجة مبعرفش أرد عليها، زي فلسطين فيها إيه من جوه وهما بيبيعوا إيه وبيعملوا إيه"، موضحا أن إلحاح الأطفال على معرفة كل صغيرة وكبيرة عن بلدهم، دفعه للتوغل في المعلومات عنها وعن أحياءها الشعبية، وحياة الفلسطينيين تحت الحصار هناك، يضيف المعلم: "بحاول اعرف الأكلات والملابس، لدرجة إن الأطفال ثقفوني غصب عني".
"حلم العودة ينمو مثل البذرة الصغيرة داخل الأطفال، لما بيكون فيه حدث قوي في فلسطين بيربط الأطفال العلم على رأسهم ويغنوا نشيد فلسطين الوطني فدائي"، تلك هي الحالة التي يعيشها أطفال الجزيرة أثناء ارتكاب الاحتلال جريمة بشعة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، قائلًا: "الناس دي عندها حق في العودة، وبيحلموا يتمتعوا بأرضهم".