بعد 19 سنة خدمة بالقاهرة.. "فريدريش ناومان" الألمانية تترك "بوصلتها المصرية"

كتب: سلوى الزغبي

بعد 19 سنة خدمة بالقاهرة.. "فريدريش ناومان" الألمانية تترك "بوصلتها المصرية"

بعد 19 سنة خدمة بالقاهرة.. "فريدريش ناومان" الألمانية تترك "بوصلتها المصرية"

استدعت وزارة الخارجية الألمانية، السفير المصري في برلين بدر عبدالعاطي لإبلاغه بعدم تفهم ألمانيا موقف مصر من النزاع بين مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية، المقربة من الحزب الديمقراطي الحر، والحكومة المصرية.

بدأت مؤسسة فريدرش ناومان العمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بداية الستينات من القرن الماضي، وكان المشروع الأول من مشروعات المؤسسة خارج ألمانيا بتونس عام 1962 بهدف تدريب الصحفيين، واليوم، لدي المؤسسة مكاتب في كل من المغرب والجزائر وتونس والقدس (يغطي فلسطين وإسرائيل) والأردن و تركيا، إلا أنها أنشأت المكتب الإقليمي بالقاهرة في عام 1997، وكان المسؤول عن الأمور الإدارية وتنسيق البرامج لمختلف الأنشطة في المنطقة.

"فريدريش ناومان للحرية".. مؤسسة ليبرالية، أنشأها تيودور هويس الذي شغل منصب أول رئيس لجمهورية ألمانيا الاتحادية سنة 1958، والهادفة إلى تعزيز حرية الفرد والليبرالية، لم تكن على وفاق مع الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة، حتى أنها نقلت مقرها الرئيس في الشرق الأوسط من القاهرة إلى عمان في يناير الماضي، بعد رفض السلطات المصرية السماح بإجراء أعمال الصيانة لمكتب المؤسسة بالقاهرة، حسب ما جاء في بيان المؤسسة، وأوضحت سفارة مصر في برلين أن نقل مكتب المؤسسة جاء بناءً على قرار داخلي منها وليس بطلب من الحكومة المصرية.

تتبع المؤسسة مبادئ فريدريش ناومان، المفكر والسياسي الليبرالي الألماني الرائد في أوائل القرن العشرين، حيث دعم بإصرار فكرة التعليم المدني، إذ كان يعتقد أن الديمقراطية الفاعلة بحاجة إلى مواطنين يمتلكون ثقافة ومعارف سيسياة، وكان يرى أن التعليم المدني شرطًا أساسيًا من شروط المشاركة السياسية، ومن ثَم تأتي أهميته بالنسبة للديمقراطية، حسب ما جاء عبر موقع المؤسسة الرسمي.

"المؤسسات السياسية الألمانية تؤدي عملًا هامًا في الدول التي تستضيفها، وهذا الأمر ينبغي أن يكون متاحًا حتى في ظل الضغوط السياسية المتزايدة على المجتمع المدني".. الرد الذي جاء في بيان للخارجية الألمانية استنكارًا لموقف الحكومة المصرية من مؤسسة فريدريش ناومان للحرية، والتي تدعم، بالتعاون مع شركاءها المحليين، تقديم برامج التعليم المدني، وتعزيز الحوار السياسي الدولي، وتقديم الاستشارات السياسية.

تعمل المؤسسة على صعيدين أساسيين، فهي من ناحية تمارس أنشطة في مجال التعليم المدني من خلال عقد الندوات والمؤتمرات وتوفير المطبوعات التي تهدف إلى تعزيز القيم والمبادئ الليبرالية، أما من الناحية الأخرى فيقدم برنامج الحوار السياسي الدولي حلقات نقاش ومباحثات حول عدد كبير من القضايا الليبرالية، وتركز برامج الاستشارات على المرشحين للمناصب السياسية والأحزاب الليبرالية وغيرها من المنظمات الديمقراطية، كما أنها تستهدف في برامجها التدريبية قيادات وأعضاء الأحزاب السياسية الليبرالية وأعضاء مؤسسات المجتمع المدني والإعلاميين.

لم تعمل المؤسسة منفردة في مصر ولكنها تعتمد على شركاء لها في القاهرة، ويأتي مبدأ "تعزيز القيم والمبادئ الليبرالية" العنصر الأساسي في تعاونات المؤسسة المشتركة، وهم:

1ـ التحالف العربي للحرية والديمقراطية، هو يتضمن الأحزاب السياسية الليبرالية العربية والمنظمات الليبرالية وأفراد من العالم العربي.

2ـ اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهو المؤسسة الإعلامية الحكومية التي تتبع رئيس مجلس الوزراء وهي المؤسسة الوحيدة المسؤولة عن وسائل البث الإذاعي المسموع والمرئي في مصر.

3ـ المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والتي تعد أولى المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال تعزيز حقوق الإنسان في مصر.

4ـ تتعاون المؤسسة بشكل منتظم مع العديد من الجماعات والمبادرات والتي تأتي معظمها من المجتمع المدني.

وعلى الرغم من تلك الشراكات، نفى رونالد ميناردوس المدير الإقليمي لمؤسسة فريدريش ناومان الألمانية، تمويل المؤسسة لأي أنشطة لأحزاب سياسية في مصر، موضحًا، في لقاء صحفي له، أن المؤسسة تحترم القوانين المصرية التي تمنع تمويل العمل السياسي، فضلًا عن أن القانون الألماني يمنع تمويل أي نشاط لأي قوى سياسية، معتبرًا أن محنة الليبرالية المصرية تكمن في الخطاب الليبرالي حيث لا يتم تعريف المفاهيم الليبرالية بشكل واضح لرجل الشارع العادي.

وقدَّر ميناردوس، في الحوار الصحفي، حجم التمويل الذي تتلقاه المؤسسة بـ40 مليون يورو سنويًا يُصرف نصف هذا المبلغ في داخل ألمانيا والنصف الآخر خارج ألمانيا، ويحظي إقليم الشرق الأوسط بالمرتبه الثانية بعد أوربا الشرقية في حجم إنفاق فريدريش، وأشار حينها إلى أنه سيحاول أن تكون حصة مصر من هذا التمويل أكبر في السنوات القادمة لأن لديه اعتقاد بأن المال مهم في الوضع المصري لكنه ليس كل شيء.

بحلول نهاية عام 2018 كان من المفترض أن تطرح المؤسسة "أجندة الوطنية"، فيما يتعلق بكيفية تعامل مصر مع تغير المناخ، حيث يتم صياغتها من قبل غالبية الأطراف ذات الصلة بالتعاون مع الجهات الفاعلة من المجتمع المدني.

حيث كان يسعى مشروع الحوار الوطني بشأن تغير المناخ في مصر إلى توفير ملتقى للنقاش بين الأحزاب يتناول تحديات تغير المناخ والتنمية المستدامة، و يهدف إلى جمع أصحاب المصلحة الرئيسيين معًا من أجل وضع أجندة وطنية بشأن تغير المناخ في مصر وذلك من خلال برنامج سيستمر لمدة خمس سنوات، بدأ منذ العام 2013، لبروز موضوع الإقتصاد في الخطاب السياسي، عقب ثورة 25 يناير 2011.

ورأت المؤسسة أن مشروع الحوار الوطني من أجل تغير المناخ في مصر فريد من نوعه، حيث إنه يعد المشروع الوحيد الذي يهدف إلى سد الفجوة بين القوى السياسية وأصحاب المصلحة في إطار حوار شامل وعابر للأحزاب، وأن تغير المناخ، في نهاية المطاف، لا يعد مسألة إيديولوجية بل هو قضية هامة تخص جميع الأطراف والقوى المصرية.

وردًا على استدعاء برلين إلى السفير المصري، أكدت سفارة مصر في برلين أنها على أتم الاستعداد لتقنين أوضاع المؤسسات الألمانية وفقًا للضوابط القانونية المتمثلة في عمل المؤسسات أو المنظمات الحكومية وغير الحكومية في مصر سواء كانت مصرية أو أجنبية في إطار قانونى سواء من خلال قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر برقم 84 لسنة 2002 بالنسبة للمنظمات غير الحكومية، أو في إطار اتفاقية ثنائية كما هو معمول به مع دول أخرى.


مواضيع متعلقة