الدروس المستفادة من فيلم "هيبتا"!
قد تظن أنني سوف أحدثك عن فيلم "هيبتا" بطرح نقد للفيلم وتفنيد إيجابيّاته وسلبيّاته وما شابه ذلك من ضروب التذوق الفني.
الحقيقة أنت وأنا في غنى عن ذلك؛ فالفيلم في أسبوعه الثالث، ولربما قد تكون شبعت من المقالات النقدية وشبه النقديّة المنشورة في الجرائد والمجلّات ومواقع وشبكات التواصل الاجتماعيّة لدرجة أصابتك بالتشبّع.
لن أحدثك عن ذكاء المخرج هادي الباجوري في التركيز على التفاصيل واختيار مواقع تصوير جديدة على الشاشة السينمائية، ولن أحدثك عن موسيقى الفيلم الناعمة وأغنية دنيا سمير غانم غير المقحمة بداخل الفيلم ولا لونيّة الإضاءة التي تدخلك في حالة مزاجية معبّقة بنشوة الإبداع، لن أحدثك عن المبهر أحمد داود أو الواعد أحمد مالك أو الأميرة الجميلة جميلة عوض، لن أطيل الحديث في الإشادة وضرب "تعظيم سلام" للساحر المتألق ماجد الكدواني، والملكة نيللي كريم، والتي استطاعت عبر انفعالات وأسارير وقسمات وجهها، أن تقول الكثير رغم أن حوارها بالفيلم لا يتعدى بضع جمل، لن أتحدث عن ياسمين رئيس السندريلا القادمة، ولا عن نجاح البطولة الجماعية وحسن اختيار فريق العمل.
ولكني سوف أتحدث عن سبعة دروس –وليس مراحل مثل هيبتا- مستفادة من هذا الفيلم:
الأول: لا نمتلك سيناريست يجيد التعامل مع الروايات ويقولبها سينمائيًا، فمع الأسف الشديد نجد أن "تسميع جمل الرواية" يتكرر مثلما حدث سابقًا في فيلم "الفيل الأزرق" المأخوذ عن رواية بنفس الاسم، الرواية تُصَم و"يقرأها جملها الممثلون" دون إحساس، فأين السيناريست اللي زي بتاع بره بيعملscreenplay محترم وبيغير في الحوار بما يتوافق مع متطلبات الشاشة السينمائية وانفعالات الممثلين!، الخلاصة نحتاج ورش عمل مكثفة لمن يقومون بتحويل الروايات لأفلام.
الثاني: أصبح لدينا أعمال روائية تُحوّل سينمائيًا؛ ففترة الجمود التي بدأت من التسعينات واستمرت حتى عامين مضا من سيناريوهات ركيكة أغلبها كوميدي لا يُسمن ولا يغني من جوع أو سيناريوهات الراقصة وأغنية مبتذلة قد ولّت وبات لدينا أعمال روائية تشجع المنتجين لتحويلها لأعمال سينمائية "بتبيع"، ولعل تلك ظاهرة إيجابية متمنين أن تستمر شريطة ألا تصبح Trend وتيار بايخ، يدفعنا لكره الروايات وأتمنى ألا يقتصر الأمر فقط على تحويل الروايات الأكثر مبيعًا لأعمال، فلربما هنالك روايات جيّدة ولكن السوق الأدبي ظلمها فلمَ لا نعطها فرصة في السوق السينمائي؟.
الثالث: مواقع التواصل الاجتماعي "إعلانات ببلاش"، منذ الإعلان عن الفيلم ومنتجوه يستغلون السوشال ميديا بذكاء ويطلقون صورًا لعبارات من الفيلم، أو صورًا لنجوم العمل، مما ساعد على رواج الفيلم قبل الترويج له بصالات السينما في جو "البانرات" التقليدية.
الرابع: نجوم السوشال ميديا دخلوا الفيلم!
منذ بدء عرض الفيلم بالسينمات بدأت حملة شعواء "بلاش شعواء لأحسن من العصر الجاهلي أوي"، خلينا في حملة "شرسة" قاتلة على الفيلم وبدأت ادعاءات كونه فيلم "السهوكة والحب الأوفر والمبالغة في المشاعر"، وبدأت صفحات التسول (لو عجبك دوس لايك ولو معجبكش اكتب تعليق، وصفحات شحاتة الكومنتات) في شن تلك الحملة فكأنَ السحر انقلب على الساحر، فالفيلم الذي بدأ دعايته فيسبكاويًا وتويتريًا يُقتل بنفس الأدوات وبدأت صفحات الكوميكس في إظهار من يدخل الفيلم بالمتسهوك والمم***، وإنّه زي القطيع وإنّه عايز يلبس التي شيرت المخطط أحمر وخلاص!.
وجاءني انطباع بضرورة مشاهدة الفيلم عندًا في الناقمين على هذا الفيلم، وحينما شاهدته لم أجد تلك المبالغة التي روَج لها بعض نجوم السوشال ميديا من كونه فيلم واقع وساقط وإيقاعه بايظ ومبالغ به، وقد استمتعتُ بالفيلم للغاية رغم بعض السقطات غير المعيبة للدرجة.
ولكن المبالغة في نقده جعلتني أفكر في كم الاستقطاب عبر مواقع التواصل "فمن كام شهر كان الكل هيموت على إنه يشوف الفيلم، ودلوقتي شغالة حملات جلد لمن يشاهد الفيلم وكأنه متهم بالسهوكة والأفورة"، وساعد على ذلك بوستات سخرية ما يُطلقون على أنفسهم نجوم مواقع التواصل الذين كتبوا نقدًا لاذعًا عن الفيلم وانساق وراءهم القطيع الأعظم وكأن المزاج والذوق العام يحدده قطعان التواصل الاجتماعي هؤلاء.
الخامس: كفانا صور نمطية؛ ربط فيلم هيبتا بأنه فيلم "الحبيبة والمرتبطين والمخطوبين واللي لسه في أول سنة جواز لأن اللي عدوا أول سنة مش طايقين نفسهم"، أمر غاية في السذاجة فمن الممكن أن تدخله مع أصدقائك أو أسرتك وصدقني لن تُصاب بلعنة ولن تحدث لك مصيبة إن فعلتها ولن يمنعك الشيطان من فعلها، وإيه لزمة كتف حبيبِك ولا خطيبِك اللي هتسندي عليه وأنتي بتتفرجي على الفيلم لما ممكن تسندي على كتف صديقتِك وتروح مدياكي بالكوع زي "جون سينا" علشان تاخد منك علبة الفيشار؟!.
المهم كفاية صور نمطية المجتمع مش ناقصة، ولو دخول الأفلام بقى مرتبط بصور نمطية فعلى كده بقى اللي بيدخل أفلام السبكي أو غادة عبد الرازق بالضرورة لازم يكون بلطجي أو متحرش مثلًا واللي بيدخل أفلام كوميدية لازم يكون مسخرة أو هلّاس!.
السادس: مش لازم أفلام السينما تبقى تعليمية! يعني بلاش نطلع القطط الفطسانة في كل شيء، مش كل الأفلام لازم يبقى ليها هدف ورسالة وجو التنمية البشرية ده في أفلام صُنعت للترفيه والاستمتاع بالصورة وخلق حالة مزاجية مختلفة، والله طلعت برسالة وهدف كان بها مطلعتش بحاجة بس استمتعت خير برضو لكن ما طلعتش بحاجة ولا استمتعت يبقى "دبس صاحبك في 35 جنيه بتوع التذكرة".
السابع: انشر الإيجابيات؛ قول رأيك في أي فيلم أو أي عمل فني بمصداقية سلبًا وإيجابًا مش سلبًا بس ولا إيجابًا وبس، بلاش تشكل رأيك وفقًا لمنظور الآخرين أو تأثرا بهم.. عبّر بطريقتك مش بطريقة صفحة فلان ولا بروفايل علان.. انشر الإيجابيات في صناعة السينما اللي كانت هتنقرض في مصر.. شجّع الإبداع في بلد الإسفاف فيها بقى السيد وعقولنا المسود.. والأهم ما تنساش تستمتع!.