دم شهداء حلوان فى رقبتنا!

بعضنا ما زال على وضعه يسخر من فكرة الاصطفاف وكأن المعركة انتهت، وفقد الإخوان رغبتهم فى إراقة مزيد من الدماء وإحالة حياة الشعب المصرى إلى جحيم انتقاماً من إزاحة جماعتهم عن كرسى السلطة، وبعضنا ما زال على وضعه ساخراً من فكرة ضرورة التماسك والترفع عن المعارك الجانبية التى تزيد من مساحات الشقاق والخلاف فى جنبات الدولة وكأن الحرب قد انتهت وتوقف «داعش» عن أطماعه فى إعلان سيناء إمارة تابعة له، وبعضنا ما زال على وضعه يعيش متخيلاً أن هذه الدولة تعافت بعد فوضى السنوات الخمس الماضية وأصبحت تملك كل المقومات التى تؤهلها لأداء مهامها بشكل صحيح وكأن المتربصين بهذا الوطن قد حلوا عنه أو أداروا أنظارهم بعيداً وتخلوا عن خطتهم لجعله نسخة من سوريا أو العراق أو ليبيا.

تحاصر مصر مشاكل من كل نوع داخلياً وخارجياً، ومع ذلك لم يجد هذا الوطن من هم على مستوى المسئولية فى كل المستويات، لم يجد النشطاء أو السياسيين العاقلين القادرين على تجاوز خلافاتهم وأطماعهم ووأد مصالحهم الخاصة من أجل مصلحة وطن أكبر.

لا يدفع أحد الثمن سوى الشرفاء فينا، ولا يعيش هذا الوطن أمناً مستقراً إلا بدمائهم التى هى أطهر ما فينا، وعلى رغم قسوة حادث حلوان واستشهاد هذا العدد من أفراد الشرطة الذين خرجوا فى مهمة أمنية هدفها الحفاظ على الاستقرار وأمن الوطن يجلس بيننا فى أرض هذا الوطن من هو مُصر على استكمال سخريته من ضباط الشرطة أو وزارة الداخلية، من يريد إنهاكها بالمعارك الجانبية دون أن يفرق بين تجاوز ضابط وارد حدوثه فى أى زمان وأى مكان وبين منظومة يقدم أفرادها أرواحهم فداءً لهذا الوطن وهدفهم حفظ أمنه واستقراره.

حادث حلوان الإرهابى فرصة جديدة لإنعاش الذاكرة، ذاكرتك التى تحتاج إلى أن تعرف أن فى هذا الوطن رجالاً فى الجيش والشرطة قادرين على حمايته وحمايتك من الإرهاب والتضحية بأنفسهم من أجل ذلك الهدف، لذا كن حريصاً على ألا تتبع شيطان هواك وتعمم سخريتك من الداخلية أو تخوينك لكافة الضباط واعرف أن فيهم وإن لم يكن أغلبهم أشرف من هؤلاء الذين يدعون الشرف والطهارة فى ميادين السياسة وساحات «فيس بوك».

دماء شهداء الشرطة والجيش ومن قبلها دماء المدنيين خلال الفترة الماضية فى رقابنا جميعاً، لأنهم لم يجدوا منا الدعم الكافى ولا الجبهة الداخلية المتماسكة ولا العرفان بتضحياتهم، لم يجدوا منا سوى معارك كلامية وسخرية بين نشطاء وسياسيين ومسئولين عبر صفحات «فيس بوك» ومن خلال استديوهات الفضائيات.

وإن كان القدر يختار أرواح الشهداء وهم يبذلون دمهم كفداء للوطن، فهذا الوطن يستحق ما هو أفضل، يستحق ما هو أفضل من هذا الإعلام المتناحر غير الواعى، يستحق ما هو أفضل من هؤلاء الوزراء الذين لا يجيدون التعبير عن أنفسهم، يستحق ما هو أفضل من النشطاء والمعارضين الذين لا يجيدون سوى السخرية والشتائم دون تقديم حل أو بديل، مصر تستحق ما هو أفضل منا جميعاً.