في المشمش

بعد أن ألقينا الضوء على أكبر تحدٍ يواجه المزارعين في مصر، وهو تسويق إنتاجهم بسعر عادل يضمن لهم استعادة تكاليف الإنتاج، وتحقيق هامش ربح يساعدهم على الاستمرار في مزاولة نشاطهم الزراعي وتشجيعهم على المخاطرة من جديد في المواسم التالية، وهو للأسف ما لا يحدث في كثير من الأحيان فينتج عن ذلك أزمة يُضار منها المزارع والمواطن والدولة.

ويبقى السؤال "هل يمكن للدولة أن تلعب دورًا في حماية نفسها ومواطنيها ومزارعيها من مضار الوقوع في تلك الأزمة؟".

نعم.. يمكن للدولة التدخل لتجنب ذلك كله دون حتى اللجوء إلى قانون التسعيرة الجبريّة الذي لا يزال يثير جدلًا كبيرًا بين الاقتصاديين والسياسيين، ليس فقط على مدى جدوته وفاعليته في ضبط الأسعار وحماية المُنتِج و المُستهلِك من تقلبات السوق وجشع التجار بل أيضًا على مدى إمكانية تطبيقه من الأساس.

الحل يكمن في تدخل الدولة لوضع سياسة زراعية سليمة تعتمد على التنسيق بينها وبين مزارعيها كي توازن معادلة العرض والطلب بقدر الإمكان لتجعل المعروض من إنتاج مزارعيها على قدر احتياج السوق لا أكثر ولا أقل، لا أكثر، لأن زيادة المعروض عن المطلوب في محاصيل معينة سيكبِّد مزارعيها خسائر كبيرة و سيأتي على حساب المعروض من محاصيل أخرى سيعاني المواطن من زيادة أسعارها بصورة جنونية.

إذًا فلا بد للدولة أن تدرس أولًا احتياجات السوق من جميع المنتجات الزراعية ، وأن تُنشئ قاعدة بيانات لمزاريعها وزراعاتهم تتمكن الدولة من خلالها بإمداد مزارعيها بإحصائيات السوق من المعروض والمطلوب بشكل دوري لترشدهم في اختيار زراعاتهم المستقلبية.

فعلى سبيل المثال، إذا توصلت الدولة إلى أن احتياج السوق من الخيار 100 ألف طن سنويًا، وهي تعلم أن متوسط إنتاج الفدان 50 طن، إذًا بقسمة احتياجها على متوسط إنتاج الفدان ستحصل على عدد الفدادين المطلوب زراعتها بالخيار، لتلبية احتياج السوق، وهو 2000 فدان، ثم عن طريق قاعدة بيانات المزارعين ستتعرف الدولة أولًا بأول على المساحات المزروعة بالخيار، فإذا وجدتها أقل من المستهدف ستشجع المزارعين على زراعة الخيار، حتى تصل إلى إجمالي المساحة المستهدفة، وبعدها حين يفكِّر أي مزارع آخر في زراعة الخيار ويبلغ الدولة بذلك عليها أن تنصحه بألا يزرع الخيار، لأنه سيفوق حاجة السوق وسيضر نفسه والجميع معه.

وعليها أيضًا أن تنصحه بزراعة أصناف أخرى تعلم الدولة عن طريق إحصائياتها وقاعدة بياناتها، أنّ المعروض منها أقل بكثير من المطلوب سيضمن له ذلك تحقيق أرباح من زراعتها وسيضمن للدولة حماية مزارعيها من ضربات السوق ومواطنيها من جنون الأسعار، وسيضمن لها أيضًا المضي قدمًا في سد الفجوة بين العرض والطلب في إنتاجها الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي المستهدف.

الإحصائيات السابقة ليست دقيقة وتمَّ ذكرها فقط للتوضيح

وبالعودة إلى واقعنا الزراعي المرير، فلا الدولة تملك إحصائيات دقيقة عن احتياجاتها من غالبية المحاصيل الزراعية ولا الدولة تملك معلومات موثوقة ومُحدَّثة عن مزارعيها وزراعاتهم فبالتالي لا وجود لمثل هذا التنسيق في مصر إلا (في المشمش).

عزيزي المزارع المطحون:

إلى أن تشاء الأقدار ويرزقك الله بحكومة تعي أهميتك وتعرف واجبها تجاهك وتضع لنفسها قبل أن يكون لك سياسة زراعية سليمة تشجعك وتحميك فقلبي معك.