المعهد الكاثوليكى.. آخر القابضين على «الرسالة الأخلاقية» للسينما

كتب: محمد أبوضيف

المعهد الكاثوليكى.. آخر القابضين على «الرسالة الأخلاقية» للسينما

المعهد الكاثوليكى.. آخر القابضين على «الرسالة الأخلاقية» للسينما

صورة السيدة العذراء تمتطى الحمار وبين يديها السيد المسيح، مُشكلة بأحجار الفسيفساء تزين واجهة كنيسة «القديس يوسف»، خطوات بين عبور البوابة الحديدية، التى تستقر فى شارع شريف بوسط البلد، حتى تجد نفسك أمام تمثال «فرنسيس الأسيزى»، هنا يقبع المقر الأول للمركز الكاثوليكى للسينما، بـ«بدروم» الكنيسة الذى أسسه الأب بطرس فزانزيدس والمؤرخ السينمائى الراحل فريد المزاوى عام 1949، ليكون منبعاً للتوعية بفن السينما الوليد فى مصر فى تلك الآونة والتشيجع على الإنتاج ومشاهدة الأفلام التى بدت فى الظهور فى مصر حينها، خاصة ما يحمل منها رسالة أخلاقية. بالقرب من «البيانو» الذى يعشق العزف عليه، يجلس مرتدياً رداء بنياً طويلاً، زى الرهبنة المعروف، وبلحيته الكثة، داخل مقر الكنيسة، التى يستقر بداخلها مسرح المركز، وبدايات المركز الأولى، يروى الأب بطرس دانيال تاريخ المركز الذى يترأس إدارته، ويقول إن بداية المركز خرجت من هنا، من داخل الكنيسة، فى دور أرضى تحت الكنيسة، حيث بدأت حركة التوعية بالسينما، مع إنشاء مقر للمركز بالإسكندرية فى «سموحة»، حتى تأسيس الأرشيف السينمائى للمركز بشارع عدلى.

{long_qoute_1}

ويقول «دانيال» إن المركز جاء على غرار المركز الكاثوليكى فى السينما، الذى تأسس عام 1928 فى مدينة لاهاى الهولندية، وجاء نبتة الفرع المصرى، من خلال تعاون «المزاوى» فى القاهرة، الذى كان على علاقة وثيقة بالمركز الدولى والأب فزانزيدس، حيث استطاع الحصول على موافقة الأساقفة الكاثوليك فى مصر بالتفويض فى تأسيس المركز، وقسما العمل بينهما على أساس جغرافى، حيث يختص «المزاوى» بنشاط المركز فى القاهرة، ويختص بالأفلام المصرية والاتصال بالسينمائيين المحليين، فيما يختص الأب بمكتب الإسكندرية والأفلام الأجنبية.

يحمل المركز على عاتقه، حسب رواية «دانيال»، الرسالة الأخلاقية للسينما، يتعلق بتلك «القشاية» الباقية فى الأفلام المستقلة وبعض الأفلام التجارية التى تضع ما يسمى «السينما النظيفة» نصب أعينهم، خاصة فى ظل الهجمة الشرسة من قبل بعض الشركات على إنتاج إفلام مسفة، لا تخلو من المشاهد المخلة.

ويقول الرجل الأربعينى، إن نشاط المركز بشكل عام قائم على أرشفة تاريخ السينما من خلال تاريخ ما يكتب عن الأفلام والسينمائيين فى الصحف والجرائد والكتب، بجانب المهرجان السنوى للمركز، الذى بدأ عام 1952، وهو أقدم مهرجان فى الشرق الأوسط كله.

«أخلاقية وإنسانية وفنية» ثلاثة معايير وضعها المركز الكاثوليكى، لمهرجانه السنوى منذ نشأته، ويقول «دانيال»، إن المهرجان توقف لعامين خلال عمره الممتد إلى ما يربو على 64 عاماً، خلال دورتين متتاليتين بسبب عدم وجود أفلام تناسب تلك المعايير ولا تتفق مع الرسالة الأخلاقية للسينما، التى ينشدها المركز دائماً، والتى تتفق مع المركز الخارج عن مؤسسة دينية فى الأساس.

ويقول دانيال إن المركز خلال الدورة قبل الماضية اختار جميع أفلامه من السينما المستقلة، مشيراً إلى أن السنة الحالية ظهرت بعض الأفلام التجارية التى ما زالت بها بعض الرسائل الأخلاقية، مؤكداً أن المهرجان على استعداد لعدم اختيار أفلام وحجب جوائز الأفلام واقتصار المهرجان على التكريمات والأفلام الأجنبية، مشيراً إلى صعوبة اختيار الأفلام فى لجنة المشاهدة فى الأعوام السابقة، فلا يمكن أن يقام مهرجان بعدد أقل من ثلاثة أفلام والوضع أصبح متدهوراً بشكل كبير فى السينما: «ومينفعش أقول المجتمع كده والسنيما انعكاس كما يبرر أصحاب هذا الاتجاه».

ويقول دانيال، إن المركز كان مقصد العرض الأول للكثير من الأفلام فى زمن الفن الجميل، بجانب أن المركز كان يختص بإرسال الأفلام المصرية المرشحة لمهرجان الأوسكار، حتى عام 2000، واستمر الجهة الوحيدة المخول لها هذا العمل، حتى طلب مهرجان القاهرة سحب ذلك لصالحه، مشيراً إلى أنه وقتها كان يتم الاختيار حسب الرؤية الفنية بعيداً عن معايير المركز الأخلاقية: «رغم أن أرض الخوف فيلم الفنان أحمد زكى لم يكن يناسب المبادئ الأخلاقية للمركز ولكن رشحناه للأوسكار لجودة الفيلم الفنية».

«دانيال» يقول إن الفنانين العرب والمصريين يعتزون بجائزة المركز، رغم أنها ليست مادية، ولكن لقيمة وتاريخ المركز، وقدسية المكان المنبثق عنه.

فى شارع عدلى، فى إحدى البنايات العتيقة، فى الطابق الثالث، يقبع مقر المركز الكاثوليكى للسينما لأرشفة تاريخ السينما، باب خشبى قديم، وبمجرد أن تطأ قدماك داخل المركز حتى تباغتك صورة فاتن حمامة تستلم جائزة مهرجان المركز، وإلى جوارها بعض من المقاعد القديمة، هو الأثاث الأول لتأسيس المركز، ما زال العاملون يختفظون به على سيرته الأولى، وإلى جوارها ماكينة تشغيل أفلام قديمة، كانت تعرض من خلالها أول الأفلام التى عرضت فى مسرح المركز.

ظل مقر المركز لأرشفة تاريخ السينما قبلة للكثير من الباحثين والدارسين، بجانب العديد من الإعلاميين، ويقول «جرجس فارس» مدير الأرشيف بالمركز، إن العمل بالمركز يقوم على أرشفة الشخصيات السينمائية التى أثرت تاريخ السينما بالأفلام بجانب الأفلام نفسها، حكايتها وكل ما كتب عنها خلال عمر المركز.

يدخل «فارس» إلى الغرف الأولى بالمركز، يتجه نحو أحد الأرفف، ويأخذ منها ملفاً اصفرت أوراقه، يقلبه ليظهر ما بداخله فيلم «ليلى»، أول أفلام السينما المصرية، مشيراً إلى أن الأرشيف يضم أفلام السينما منذ عام 1927، ويدخل إلى بهو يظهر داخل عدد من الأبواب، أولها يظهر العديد من الأرفف، مليئة بالملفات ذى الأوراق الصفراء، ممهورة بالكثير من الأسماء، أسامة أنور عكاشة، أحمد زكى، فاتن حمامة.


مواضيع متعلقة