سعيد الكفراوى: الإعلام «المغيب» والأغانى «التافهة» وراء تدنى الانتماء للوطن

08:21 م | الأربعاء 27 أبريل 2016

حُب الوطن غريزة روحية تولد بمولد الإنسان، لكنها اختلفت مع اختلاف الزمان والثقافات وتحولت من أفعال إلى مجرد كلمات تُردّد، وظهر ذلك خلال السنوات الأخيرة حتى تناسى البعض معانى الوطنية الحقيقية، وأصبحت تقتصر على كلمات الأغنية، التى قد يتفق عليها البعض أو تتحول إلى سلاح لمحاربة الآراء المعارضة، الأديب القاص سعيد الكفراوى يكشف فى حواره لـ«الوطن»، عن مراحل تغيير مفهوم الوطنية لدى الشعب، والأسباب التى أدت إلى ذلك ومدى خطورة أشكال الفنون الحالية على تشكيل وعى المواطن وتأثير مواقع التواصل الاجتماعى على هذا التغيير.

{long_qoute_1}

■ ما الأسباب التى أدت إلى اختلاف شكل ومفهوم الوطنية لدى الناس؟

- الوطنية علاقة ثابتة بين الوطن وأبنائه، لكن لها شروطاً أن يعطيك الوطن حقوقك، لذلك تغيّر شكل الناس فى الشوارع، نظراً إلى غياب الوعى العام والممارسة السياسية للأحزاب التى كانت مدارس فى تعليم الوطنية، ومن ثم قل الولاء وطفت على السطح الانتهازية، بجانب أن العلاقات اختلفت وأصبحت تفتقد محبة الوطن، ويرجع ذلك إلى الطموح الزائد نحو حياة لها سياق وطابع يجعل الفرد فى سرعته يتخلى عن شروط الوطنية، إضافة إلى العشوائيات التى نعيش فيها، فهى لا تصنع وطنية، نحن نحب أوطاننا بقدر ما تقدمه لنا من يقين واستقرار.

■ لماذا اختلف فهم الناس للوطنية؟

- اختلف فهم الناس للوطنية، لأن دورها يكمن فى الرفع من شأن الوطن، وتضيف إليه عبر إخلاص أبنائه وولائهم، اختلاف مفهوم الوطنية هذا باختلاف الأشخاص وطرح مفاهيم جديدة ومتغيرات يختلف حول مفاهيمها أبناء الوطن الواحد، وبالتالى تظل الأوطان نتاجاً لرؤى تُحدد معنى الوطن وقيمته والانتماء إليه والعمل على رفع شأنه. {left_qoute_1}

■ ما رأيك فى شكل الأغنية الوطنية الحالية؟

- حتى الآن لم يُفرز المتغير الذى حدث فى 25 يناير فنونه، ولم تخرج الجماعة الموهوبة بتقنياتها الحديثة لخلق تيار فنى يُعبر عنه، مثل الأدب، لم تكتب الرواية ولا المسرحية ولا المجموعة القصصية التى تعبر بالفعل عن روح الثورة وطموحها، ونحن فى الانتظار.

■ ما مراحل تغيّر الأغنية الوطنية، بما أنها تُعتبر أحد العوامل التى يستند إليها المواطن؟

- ما شهدته مصر عبر الـ60 عاماً الماضية من مراحل سياسية وأشكال للحكم ونظم اختلفت عبر الرؤساء الذين حكموا طوال ما يُسمى بزمن يوليو 1952، كانت هناك فترة ثورية وشعارات مطروحة عن التحرُّر الوطنى والاستقلال، وتحرير الشعوب والاشتراكية وحكم الفرد وزعامته، فكان الخطاب فى ذلك الوقت، هو الأدب والفنون والأغانى، والخطاب السياسى يتلاءم مع هموم تلك الفترة، ثم جاءت فترة أكتوبر، وتلتها فترة الانفتاح الاقتصادى، فتغير الشعار وتغيّرت المادة التى تُعبّر عن تلك المتغيرات، حتى حقبة الفساد فى زمن «مبارك» خلقت أغانيها، وأغرقت الشعب فى قدر هائل من التفاهة، فكان انحطاط الفنون وانعزال الأدب الجاد وسيطرة سطوة الإعلام المغيب للوعى، وكان المنتج الثقافى شكل النظام السياسى، والآن ووسط الحيرة التى تعيشها مصر، نبحث عن شكل، سواء للدولة أو لنشاطاتها المختلفة من فنون وآداب وسياسة وعلوم اجتماع، وحتى تعثر الدولة على ذلك الشكل سيظل الإعلام مغيباً للوعى، والانتهازيون يقودون المسيرة، وهناك رؤية غائبة واختلاط لقضايا لا تصل إلى نتيجة حتى تستقر مصر وتنحاز إلى شعارات 25 يناير الحقيقية، وخلق خطاب للمستقبل.

■ هل هناك تأثير من مواقع التواصل الاجتماعى على تغيُّر شكل الوطنية؟

- لم يكن تأثيراً فحسب، بل كان تغييراً كبيراً، لأنها رغم كونها بؤرة مضاءة مسلطة لإحياء روح الشباب، فإن دورها يحمل نسبة عالية جداً من السلبية واستخدامها كفعل فكاهى للسخرية للتعبير البائس الساذج يفتقد قدراً كبيراً من الخلق الذى تربى عليه المصريون، لكن مع تواصلها واستمرارها ستتخلص من كل ما هو سلبى، لتتحول إلى وسيط لصناعة الإنسان والتعبير عن طموحه ومشروعاته.

{long_qoute_2}

■ ما تأثير هذا التشويش على المواطن العادى؟

- هناك إرهاصات بولادة جديدة، وهذه مرحلة تختلط فيها البدايات بالنهايات، وبها حضور للماضى ببشاعته ورجاله ومفهومه السياسى القديم، سيخرج شىء من هذا الاختلاط، الذى تراهن عليه كل طوائف الشعب، وتولد من خلالها طوائف جديدة لشباب مصرى، ستتغير الأمور، والرهان هنا على جيل تكوينه مختلف تماماً عن الجيل السابق.

■ ما الفرق بين الأجيال الحالية والسابقة؟

- الأجيال السابقة كانت مقموعة بالقهر والمعتقل وسطوة الزعيم الذى استبدل نفسه بالأمة، وفى الستينات والسبعينات، لكن الآن قدرة الشباب على إيمانهم بالمستقبل والتغيير واستخدامهم للوسائط الحديثة فى التعبير عن هذا التغيير، وأرى أن قدر وطنية هؤلاء الشباب يختلف تماماً عن القدرة القديمة الخنوعة، الشباب قادر على التغيير وسيُغير ويُخطط طريقاً حقيقياً لبناء وطن جديد.

■ هل هناك دور للأغنية المسموعة فى انقسامات الرأى التى شاهدناها مؤخراً؟

- الآن لا.. كان تأثيرها طاغياً فى زمن الصوت الواحد وتمجيد الزعيم ومشروعاته وانتصاراته، وخرج عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة، وسمير الإسكندرانى وأم كلثوم والموسيقار محمد عبدالوهاب، كل هؤلاء كانوا يعتقدون أن تمجيد الزعيم وثورته تمجيد للشعب، وهذا غير صحيح، من مجّد الشعب عبر الفن والغناء هو شخص وحيد اسمه سيد درويش.

■ ما الحلول لاستعادتها مرة أخرى؟

- حينما تُنظم حركة يستعيد الوطن روحه وشروط خلق قيم جديدة توجد داخل المجتمع، ويستعيد المواطن عافيته، ويكون منهجاً للدفاع عن الوطنية التى كانت موجودة فى الحقبة الليبرالية ومدرسة الوطنية المصرية والتعليم المحترم أمثال لطفى السيد وعلى عبدالرازق وطه حسين وتوفيق الحكيم ومشاركة الآخر واحترام حرية المرأة والسعى على الحصول على ما فى الحضارات الأخرى من قيمة، بجانب العمل الجيّد ومحبة الناس، كل هذه عوامل لصنع وطنية.