معاقبة السعودية

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

ليست المرة الأولى التى تتعرض فيها السعودية إلى ابتزاز أمريكى، ولن تكون الأخيرة، وللمرة السابعة تقريباً منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 التى يتم فيها توجيه الاتهام للمملكة بأنها وراء الإرهاب بشكل عام، وأنها صنعت القاعدة بوجه خاص، ويتناسى الأمريكيون أنهم هم الذين صنعوا القاعدة وجعلوا منها نقطة الانطلاق المركزية فى منظمات وجماعات الإرهاب، وأنهم الذين دفعوا حلفاء لهم لكى يمولوا ويدربوا العناصر التى انقلبت عليهم لاحقاً، هذه المرة الأمر لم يعد الاتهام مرسلاً، فهناك مشروع قانون أعده جمهوريون وديمقراطيون فى الكونجرس وتم تمريره من اللجنة القضائية تحت مسمى محاسبة المتورطين فى الاعتداءات على الأمريكيين فى الأراضى الأمريكية، الذى يتيح للأفراد توجيه الاتهام ومقاضاة حكومات أجنبية بزعم تورطها فى أعمال إرهابية، وبينما تدعى إدارة أوباما معارضتها لمشروع القانون بحجة أنه يقضى على مبدأ الحصانة لممثلى الحكومات ويفتح الباب أمام أعمال ثأرية من قبل حكومات أخرى ضد الحكومة الأمريكية نفسها وممثليها من المدنيين والعسكريين، تبدو هناك دلائل عديدة على أن إدارة أوباما تغاضت عمداً عن فكرة القانون من أجل الضغط على المملكة السعودية، فى وقت يتم فيه فتح الباب بصورة متدرجة أمام عودة علاقات أمريكية - إيرانية تسهم فى إعادة تشكيل المعادلات الأمنية فى الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج خاصة.

ومما يلفت النظر هنا الجولة التى قام بها جون كيرى فى الأسبوع الماضى قبل أن يصل الرئيس أوباما إلى الرياض يوم الأربعاء الماضى ليشارك فى أعمال القمة الخليجية الأمريكية فى اليوم التالى، التى ناقشت مستجدات الأمن والعلاقات الاستراتيجية بين أمريكا ودول الخليج، فى ظل القلق من تداعيات الاتفاق بشأن النووى الإيرانى، ومن تصريحات جون كيرى فى طهران بدا أن تعهدات الرئيس أوباما لقادة الخليج ليست أكثر من مناورة شفوية بهدف تهدئة المخاوف لا أكثر ولا أقل، مع بعض تطمينات عامة بشأن الدور الإيرانى فى المنطقة فى المرحلة المقبلة، وفى طهران كان جون كيرى واضحاً بأن دعا البنوك الأوروبية والأمريكية لكى تقيم علاقات عادية مع البنوك والمؤسسات الإيرانية دون خوف أو قلق من أى عقوبات أمريكية، ومؤكداً على الانفتاح الأمريكى على إيران، أما بشأن القانون المطروح فى الكونجرس فلم يزد الأمر عن تعهد شفوى من الرئيس أوباما لقادة المملكة بأن يستخدم حقه فى الاعتراض على القانون إذا أصر الكونجرس على إصداره بصيغته الراهنة. أما إذا حدث تغيير فى الصياغة ولو جزئياً وظل جوهر القانون كما هو فليس هناك موقف محدد من إدارة الرئيس أوباما.

وفى هذه الآونة التى تسبق الانتخابات الرئاسية بأشهر قليلة يكون فيها الرئيس قليل الحيلة، تتجه الأنظار إلى مواقف المرشحين الرئاسيين الأكثر حظاً، وهم فى اللحظة الجارية الديمقراطية هيلارى كلينتون وبارنى ساندرز والجمهورى دونالد ترامب وغيرهم إزاء مشروع القانون، وإذا بهم جميعاً يؤيدونه لأنه محل تأييد من الشعب الأمريكى، ولا يُعقل أن يقف أحد المرشحين أمام توجهات قوية لدى الرأى العام، وثانياً لكون مشروع القانون موجهاً لمعاقبة من تورط فى دعم الإرهابيين، حسب تفسيراتهم، وفى ضوء هذه المزايدات الانتخابية يكتسب مشروع القانون زخماً لدى الكونجرس والرأى العام معاً، خاصة فى ضوء تركيز الإعلام الأمريكى على إثبات أن السعودية متورطة بالفعل فى دعم الإرهاب خاصة تنظيم القاعدة، وفى سرد مزاعم قيلت من قبل ودون دليل حول تورط زوجة السفير السعودى الأسبق فى واشنطن الأمير بندر بن سلطان فى تمويل بعض من شاركوا فى هجمات 11 سبتمبر، وأن بعض مسئولين سعوديين من مستويات أدنى وبعض كبار رجال أعمال سعوديين تورطوا فى تمويل تنظيم القاعدة، وتتضمن الاتهامات للسعودية كلاماً مرسلاً بأنها لم تقم بما يكفى لمواجهة تنظيمات الإرهاب، والرياض من جانبها نفت هذه الاتهامات مرات ومرات، غير أن سطوة الإعلام الأمريكى أضاعت الصوت السعودى، كما غطت على بعض التصريحات لمسئولين أمريكيين وسفراء سابقين وأعضاء كونجرس كانوا فى اللجنة الوطنية التى كتبت التقرير الخاص بهجمات 11 سبتمبر فى العام 2002، وجميعها تنفى وجود أى دليل ملموس على تورط سعودى رسمى فى دعم تنظيمات الإرهاب خاصة تنظيم القاعدة.

ويظل السؤال لماذا هذه الهجمة الآن؟ فى تصورى أنها موجهة لإعداد الرأى العام الأمريكى لاستبدال طهران بالرياض، كقوة ردع جديدة فى المنطقة تحقق قدراً من المصالح الأمريكية المتصورة فى حقبة ما بعد انتهاء القيمة الاستراتيجية للنفط العربى، خاصة السعودى، وكذلك انتهاء الصيغة التى جمعت بين تيسير الحصول على النفط، كمحرك للاقتصاد العالمى الذى تقوده الولايات المتحدة، مقابل حماية الولايات المتحدة لنظم دول الخليج، وهى الصيغة التى تتعرض الآن لعملية إعادة بناء وتشكيل بما يتوافق مع التوجهات المؤسسية الأمريكية الجديدة بتخفيف الوجود فى الشرق الأوسط والتركيز أكثر فى آسيا، باعتبارها القارة التى تشتمل على قوى كبرى صاعدة قد تهدد المصالح الأمريكية فيما بقى من هذا القرن.

صيغة الاستبدال الاستراتيجى ليست وحدها المبرر، بل أيضاً محاسبة السعودية على مواقفها فى دعم مصر لا سيما بعد ثورة المصريين على حكم الجماعة الإرهابية، واعتراضها على الاتفاق النووى مع إيران دون الوضع فى الاعتبار المصالح الواسعة والممتدة مع السعودية خاصة والخليج عامة، ومن هنا تبلورت استراتيجية إرهاق السعودية وإدخالها فى دوامة القلق على مستقبل كيانها كمملكة موحدة، ووضعها تحت الضغط وإثارة قضايا متعددة من قبيل تردى أوضاع حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب فى اليمن وغياب الديمقراطية، وفى إطار هذه الاستراتيجية تُطرح الآن وبقوة داخل الكونجرس وفى الإعلام الأمريكى مسألة منع بيع السلاح للسعودية ومحاسبتها على استخدامها للسلاح المُصدر إليها من قبل فى حرب اليمن، والهدف واضح، ابتزاز المملكة إلى آخر مدى.

ما الذى يعنينا نحن من كل هذا؟ أتصور أن وضع السعودية تحت المقصلة الأمريكية بهدف إفلاسها وتفتيتها هو تهديد كبير وخطير يمس المنطقة العربية برمتها، وبالقطع سيكون له تأثير خطير على العلاقة الاستراتيجية الواعدة بين مصر والمملكة، التى تتجاوز التعاون الاقتصادى وفتح المجال أمام العمالة المصرية والدعم بأشكاله المختلفة، وكما أن إفشال هذا القانون يُعد مصلحة سعودية بامتياز، هو أيضاً مصلحة مصرية بالدرجة الأولى.