قميص «ريجينى».. حق يُراد به باطل!!

آمال عثمان

آمال عثمان

كاتب صحفي

يختلف المفكرون حول كتاب «الأمير»، إنجيل الطغاة فى العالم، ودستور الحكام المستبدين للسيطرة على شعوبهم بالدهاء والمكر والغدر والخديعة، ويرى الكثيرون أن السياسيين يلعنون «ميكافيللى» ويرفضون منهجه فى العلن، لكنهم يطبقون آراءه وفلسفته وينتهجون أفكاره ومذهبه السياسى فى السر والخفاء!!

وحينما طلب أحد الصحفيين من الكاتب الموسوعى الأمريكى «جاريد دايموند»، الحائز على جائزة «بوليتزر»، أن يرشح كتاباً يقرأه الرئيس باراك أوباما، اقترح عليه كتاب «الأمير» لنيكولو ميكافيللى، ذلك الكتاب الذى يرسخ لمنهج النفعية وللمفاهيم الانتهازية، ويقوم على فكرة أن الغاية تبرر الوسيلة، مهما كانت تلك الوسيلة دنيئة أو غير أخلاقية!! حيث يرى «جاريد دايموند» أن كتاب «الأمير» ضرورى للقادة السياسيين فى هذا التوقيت، حتى يدركوا أنهم ليسوا عاجزين فى يدى سوء الحظ، وأن هذا كتاب الذى يُعد مرجعاً للفقه السياسى لم يُكتب بيد الشيطان على الأرض كما يزعم البعض، وإنما هو أطروحة علمية كتبها فيلسوف صاحب رؤية شفافة، وفكر علمى واقعى مدرك لحدود استخدام القوة!!

لذا ليس غريباً أن نشهد تلك المواقف والتصريحات من وزير الخارجية الإيطالى «باولو جينتيلونى»، أو نجد هذه الحملات التحريضية التى تقودها الأحزاب السياسية فى روما!! كما ليس مستغرباً أبداً أن نرقب المزايدات والمناورات والألاعيب السياسية، وكل ما يصدر عن البرلمان الإيطالى من حق يراد به باطل!! أو نشاهد «قميص ريجينى» الملطخ بالدماء، وقد رفعته أحزاب المعارضة على أسنّة الرماح لتأجيج المشاعر، وإثارة الرأى العام بهدف سحب الثقة وإسقاط حكومة «ماتيو رينزى»، وتحقيق أهداف سياسية، وكسب أصوات فى انتخابات المحافظين والبلديات التى باتت على أبواب العام المقبل.

بالله عليكم إن لم يكن ما يحدث على مسرح السياسة الإيطالية تضخيماً وتوظيفاً لحادث جنائى فى صراعات حزبية، ومناورات ميكافيللية، فماذا يمكن أن يكون؟! ولماذا لم تتصدر قضايا اغتيالات مماثلة لأربعة مواطنين إيطاليين، وقعت أحداثها فى ظروف مشابهة لواقعة «ريجينى» خلال العامين الماضيين، بكل من البرازيل وكندا والولايات المتحدة!!؟

ودعونا نتساءل: ما الذى يعود على مصر من قتل هذا الشاب الإيطالى؟! وإذا كانت هناك جهة أمنية متورطة فى القضية، فهل يُعقل أن تلقى بجثة الشاب على قارعة الطريق، أم أنها توارى عورتها وتخفى الجثة فى مكان مجهول يصعب الوصول إليه؟! وإذا كان البحث الذى يعده هو السبب فى مقتله، فماذا عن الطلاب الآخرين الذين يحضرون رسالة الدكتوراه فى الحركة المصرية العمالية؟! وهل سبق على مدى العصور أن قُتل أى باحث أكاديمى أجنبى يعد بحثاً عن أى موضوع مهما كان شائكاً أو معارضاً لسياسة الدولة المصرية؟!

يا سادة إذا أردنا معرفة الجانى أو المجرم الحقيقى، فعلينا أن نبحث عن المستفيد من تلك الجريمة، لذلك يجب أن نبحث عن المستفيد سياسياً واقتصادياً من وراء تلك الجريمة وما سبقها، وأقصد هنا جريمة تفجير القنصلية الإيطالية، فأكبر المستفيدين من هذا الحادث هم جماعة الإخوان المسلمين وحليفتهم تركيا!!

وهذا ما أكده مقال الكاتب «كالوجيرو نيقوسيا» على موقع «جيوبوليتيكال مونيتور» الكندى للبحوث الاستخباراتية، حيث أشار إلى أن الجريمة عمل تكتيكى استراتيجى هدفه إعادة موازين القوى بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمن غير المنطقى افتراض أن النظام المصرى له مصلحة فى قتل الطالب الإيطالى، وكل ما ظهر بعد الحادث من تكهنات فى وسائل الإعلام هدفه إحراج النظام.

وتساءل: لماذا تعمّد القتلة عدم إخفاء الجثة؟! ولماذا أرادوا أن تعثر عليها السلطات؟ مدللاً بحديث عميل سابق فى المخابرات الأمريكية، يقول: «إذا أردت عملية استجواب حقيقية لمتهم أرسله للأردن، وإذا كنت تريد تعذيبه أرسله لسوريا، أما إذا أردت لشخص أن يختفى تماماً فقط أرسله لمصر»!! فالقضية يجب اعتبارها فى سياق التوتر الجيوسياسى بالمنطقة، وذلك لعدة أسباب، أولها أن مصر تعتبر إيطاليا حليفاً قوياً، وبدأ السيسى جولته لزيارة دول أوروبا بروما، علاوة على أن الشركة التى اكتشفت أكبر حقل للغاز إيطالية، وأن وزيرة التنمية الإيطالية وصلت القاهرة لعمل مباحثات اقتصادية فى نفس يوم تسليم جثمان الطالب الإيطالى.

إن كل ما يدور فى دهاليز السياسة العالمية من مواقف وتسريبات ومناورات وردود أفعال، تعكس المنهج الميكافيللى المتأصلة لدى رجال السياسة فى الغرب، بداية من موسولينى الفاشى الذى اختار كتاب ميكافيللى لأطروحته فى الدكتوراه، وهتلر الذى لم يكن يغمض له جفن كل ليلة قبل أن يقرأ هذا الكتاب، وصولاً إلى «هيجل» و«برتراند راسل» و«دايموند» وغيرهم ممن شهدوا له بالعبقرية واعتبروه سلاح القادة السياسيين، وأحد الأركان التى قام عليها عصر التنوير فى أوروبا!!