«المياه الجوفية» تغرق 7 آلاف فدان وتشرد 2000 أسرة فى «الصالحية الجديدة»

كتب: حسن عثمان

«المياه الجوفية» تغرق 7 آلاف فدان وتشرد 2000 أسرة فى «الصالحية الجديدة»

«المياه الجوفية» تغرق 7 آلاف فدان وتشرد 2000 أسرة فى «الصالحية الجديدة»

على بعد «5 كيلومترات» من مدينة «الصالحية الجديدة» بمحافظة الشرقية، وقبل أن تصل إلى مفارق الشرطة عند مطار الصالحية، وبالتحديد بجوار كوبرى «أبوكبيش»، منطقة «حوض 9» التى يطلق عليها الأهالى اسم «البركة»، وهى خارج الزمام التابع لجمعية العزازى الجديدة الزراعية مركز الحسينية، حيث تجد آلاف المزارعين يعانون بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية التى أغرقت منازلهم و«بوّرت» أراضيهم، إذ غمرت ما يزيد على 7 آلاف فدان من (جناين، بساتين) وحولتها، «من جنة الله فى أرضه إلى أراض بور كالحة، ومنازل ما تبقى منها أوشك على التصّدع، حيث يعيش حوالى 2000 أسرة فى حالة أقرب ما تكون إلى العدم». {left_qoute_1}

حياة هادئة كان يعيشها مزارعو منطقة «حوض 9» قبل 1999، يزرعون أراضيهم ويجنون محصولهم، إلى أن تبدل الحال وبدأ منسوب المياه الجوفية يرتفع ما أدى إلى تناقص مستمر فى مساحة الأراضى الزراعية لدى كل فلاح، عاماً بعد آخر حتى تحولت إلى «بور»، وما إن تغيب الشمس حتى تتسلل إلى البركة الذئاب والكلاب المفترسة والحيوانات الضالة.

وقال السيد أبوعلوانى، رجل ستينى، مزارع، إنه اشترى هذه الأرض فى عام 1985 ولم تكن هناك أى مياه جوفية، وكانت جميعها مزروعة بالمحاصيل المختلفة مثل الفلفل والباذنجان والطماطم والبطاطس والقمح والشعير، ونظراً لأن هذه المنطقة منخفضة بدأت المياه الجوفية تتجمع، وتابع: «فى سنة 2000 تقدمنا بطلب لوزيرى الزراعة والرى بعمل مصرف زراعى لإعادة الأراضى إلى سابق عهدها، وبالفعل تمت الموافقة على إنشاء مصرف بـ150 مليون جنيه أثناء فترة (يوسف والى) وبدأ التنفيذ»، وبحزن شديد قال: «توقف العمل فى المشروع فى عام 2005 ولا نعرف السبب، توقف المشروع تماماً وارتفعت المياه لدرجة أن البيوت امتلأت»، على حد تعبير «السيد»، ويواصل: «كنا بننزح الميه من البيت بالحلل والجرادل، فذهبنا لعضو مجلس الشعب فى هذه الفترة نطالبه بمساعدتنا إلا أن الرد منه كان قاسياً، قال لنا انتم ناس لاجئين واخدين الأراضى (وضع يد وماليش دعوة بيكم)، ومنذ 2005 ونحن لم نجد من يسأل عنا وكأننا لاجئون فى بلادنا، مضيفاً: «الفلاح المصرى هو الوحيد الذى لم يكن له أى مطالب فئوية، والجميع طالب بحقه ولكن الفلاح لم يخرج ولم يقطع طريق ولم يعطل عمل، ونحتاج فقط لنظرة الرئيس السيسى للفلاحين الغلابة المنسيين».

{long_qoute_1}

أما حسن أبوعبده السيناوى، مزارع يملك فدانين، فقال: «بدفع أقساط للدولة لتملك هذه الأراضى من 15 سنة، وانتهيت من تسديد كامل ثمن الأرض قبل عامين»، موضحاً أنه كان يزرع فيها (القمح، الشعير)، وكانت تعطى أعلى إنتاج، كان يزرع فدان برتقال وبعد ارتفاع المياه «جف البرتقال ومات وأصبحت أرضى بوراً، لا أجد أمامى سوى العمل باليومية حتى أستطيع العيش أنا وعيالى».

وأضاف «السيناوى»: «نحن هنا نعيش على قدرة الله، ولا أحد يعرف عنا شيئاً، ولم يزرنا أى مسئول فى الدولة، ونعيش حياة أقرب إلى الموت، فالأمراض منتشرة فى كل شبر، والمياه الجوفية جعلت أرضنا مثل البِرّك ينمو فيها المرض ويتكاثر، وفى الليل لا نستطيع النوم بسبب انتشار الناموس وأصوات الذئاب والكلاب الضالة تجعل أعيننا لا تغفل إطلاقاً، وفى النهار الرائحة الكريهة تملأ المكان بسبب المياه الجوفية التى تحولت إلى مياه راكدة وكريهة لا تطاق»، وتابع: «اللى بيتعب هنا شوية بيفضل يومين أو تلاتة ويموت، الناس هنا بتموت كتير جداً أكتر من أى مكان تانى بسبب انتشار (الفشل الكلوى)، وللأسف لا يوجد مكان نتعالج فيه، وإذا وجدنا المكان فلن يستطيع فلاح بسيط أن يدفع ثمنه، وبالتالى يدفع حياته كثمن للإهمال».

ينظر «السيناوى» إلى أرضه التى تغطيها طبقة «ملحية» ويقول: «نحن لا نحصل على أى دعم من الجمعية الزراعية، ولا يأتى إلينا أى مهندس زراعى، وعندما ذهبنا إلى الجمعية الزراعية للحصول على بعض حقوقنا مثل الكيماوى أو التقاوى، أخبرنا المهندس المسئول عن صرف المبيدات والأسمدة والتقاوى، أننا لن نستطيع صرف أى دعم لأن أراضينا (بور)».

 

«أمى ماتت وملحقتش أوديها لدكتور لأن أقرب وحدة صحية لينا فى المنطقة على بعد 5 كيلو من هنا، وعندما وصلنا للوحدة لم نجد بها طبيب، فذهبنا بها إلى دكتور فى الصالحية القديمة ورفض أن ينزل من بيته، وفارقت أمى الحياة ولم أستطع أن أقدم لها شيئاً»، بهذه الكلمات بدأ محمود يوسف، مزارع، 45 سنة، حديثه لـ«الوطن»، مضيفاً: «المنطقة مليئة بالأمراض بسبب المياه العفنة الموجودة هنا، ولا يوجد مدرسة لتعليم أبنائنا، فالمدرسون لا يحضرون لأن الطرق غير ممهدة، ولا توجد أى وسيلة مواصلات لنقل الطلاب إلى المدرسة أو حتى لنقل المدرسين»، موضحاً أنه وإخوته يمتلكون 6 أفدنة أصبحت الآن (بور)، يواصل: «نحن مستمرون فى دفع أقساط الأرض من خلال عملنا باليومية عند الناس على أمل أن يتم إنشاء المصرف لإعادة إحياء أراضينا مرة أخرى».

وجود حيوانات نافقة ملقاة فى المياه الجوفية، وانتشار أكوام القمامة، فسره الحاج الشبراوى موسى قائلاً: «الهم ورانا ورانا، فبعد بوار أراضينا وخراب بيوتنا لم تتركنا الوحدة المحلية بقرية العزازى وجعلوا منطقتنا مدفن للقمامة»، موضحاً أن المياه ارتفعت تحت أعمدة الكهرباء حتى أصيبت بالصدأ، وهم الآن فى انتظار وقوعها فى أى وقت دون أن يكون هناك مسئول يريد أن يساعدهم، على حد تعبيره، وتابع: «مياه الشرب لم تصل إلينا منذ 5 سنين، على الرغم من وجود عدادات بـ1500 جنيه للواحد، وندفع كل شهر فاتورة لا تقل عن 20 جنيهاً للبيت الواحد، ولا نحصل على مياه من الأساس، ونشترى مياه الشرب بثلاثة جنيهات للجركن الواحد، من أحد الأشخاص الذين يأتون لبيعها إلينا»، مشيراً إلى أن «المياه الملوثة» الموجودة سبب رئيسى فى ارتفاع حالات الإصابة بـ«الفشل الكلوى». 

وأضاف «موسى» أنهم ذهبوا إلى المهندس المسئول عن إدارة مياه الشرب بمركز فاقوس، فأخبرهم بأن المكان الذى يسكنون فيه مرتفع، ولا يمكن أن تصل إليه المياه إلا بعمل (مناوبات)، وبالفعل تم عملها دون أن تصل المياه، وقال: «توجهنا لمدير شركة المياه بالزقازيق وقدمنا طلباً فوعدنا بأنها ستصل فى يناير 2015، ونحن الآن فى مارس 2016 ولم نحصل على مياه صالحة للشرب».

{long_qoute_2}

بوجه أصفر شاحب تظهر عليه علامات المرض تكسوه شعيرات بيضاء، وعيون تملؤها الدموع، يقف رجل خمسينى يقول: «اسمى عيد سليمان، امتلك 6 أفدنة وكنت أسدد الأقساط فى ميعادها، لكن بعد أن أصبحت الأرض بوراً لم أعد أستطيع الدفع، لأنى مريض وبتعالج من فيروس سى فى أحد مستشفيات مركز فاقوس، ولا أملك ثمن العلاج وقدمت أوراقى منذ 6 أشهر ولم تصرف جرعة علاجى حتى الآن فمن أين سأدفع قسط الأرض»، يواصل الرجل حديثه: «عندى 10 أبناء، 3 صبيان و7 بنات، يعملون باليومية، قبل عشر سنوات كنا نعيش من الأرض نعمل فيها ونأكل منها، كنت أحلم باليوم الذى ستتزوج فيه بناتى، ولكن أصبحت أرضى بوراً كساها الملح وبيتى غارق فى وسط المياه ولا نجد من يسأل عنا، أذهب إلى أصحاب شوادر الخضار لكى أحصل على قوت أبنائى مقابل أن أمضى على إيصال أمانة، فى أوقات كثيرة أتخلف عن الدفع فيهددنى صاحب الشادر بأنه سيرفع إيصال الأمانة للمحكمة، لولا وجود أولاد الحلال الذين يقفون بجوارى كنت زمانى مرمى فى السجن».

فى وسط أرضه التى أكلتها الملوحة يرتدى ثوباً مهلهلاً يُظهر من جسده أكثر ما يخفيه، شاربه كما رأسه كساهما البياض، يصعب على من يشاهده تخمين عدد سنوات عمره، هو «السيد عبدالكريم»، مزارع، 60 عاماً، يقول: «أملك نصف فدان، ومنذ 15 سنة بزرعها دون أن ينبت فيها شىء، كلما زرعت فيها أى نبات يأكله الملح وكل عام أقوم بشراء رمال حتى ترتفع الأرض، إلا أن المياه الجوفية لا ترحم تعبى ولا مجهودى، منذ عام 1999 وأنا أزرع الأرض ولا أجنى شيئاً، وسوف أستمر فى زراعتها حتى آخر يوم فى عمرى، لا أستطيع أن أتركها دون أن أضع فيها بذوراً، وهذا العام قمت بشراء رمال بثلاثة آلاف جنيه لردم الأرض على أمل أن يعوضنى الله».

وأضاف: «لدىَّ 5 أبناء، اثنان منهم مصابون بمرض فى المخ، وتركوا البيت ولا أعلم عنهم شيئاً، والثلاثة الآخرون واحد فى الجيش والآخر فى المدرسة والأكبر مريض لا يستطيع الحركة»، مطالباً بمساعدته فى أن يأكل رغيف عيش من أرضه بدلاً من أن يمد يده للناس.

{long_qoute_3}

المهندس ربيع حسن، رئيس وحدة الرى بالصالحية الجديدة، رد على شكاوى الفلاحين بقوله، إن هيئة الصرف تقوم حالياً بعمل دراسة وافية لإنشاء مصرف زراعى لهذه المنطقة خلال الفترة المقبلة، موضحاً أن الدراسة فى المرحلة النهائية من الإعداد، موضحاً أن السبب فى ارتفاع منسوب المياه الجوفية فى هذه المنطقة هو اتباع الفلاحين الطرق التقليدية فى الرى، وأنهم يستخدمون طريقة الرى بالغمر، ما أدى إلى الإضرار بالأراضى ورفع منسوب المياه الجوفية.

وأضاف «حسن» أن الطريقة الصحيحة لرى هذه الأراضى هى «التنقيط» أو بـ«الرش»، مشيراً إلى أن الوزارة قررت تطبيق غرامة 3660 جنيهاً على الفدان الذى يتم ريه بالغمر «ولكن امتنعنا عن تطبيق الغرامة عليهم لعلمنا بحالة الناس».

وقال المهندس البهى هيكل، المسئول عن هذه المنطقة بالإدارة الزراعية بالصالحية الجديدة، إن هذه الأراضى تحتاج «صرف زراعى» فى أسرع وقت ممكن، موضحاً أن إنشاءه سيساهم بشكل كبير فى القضاء على المياه الجوفية التى أغرقت الأراضى، ما يؤدى ذلك إلى رفع إنتاجية الفدان وزيادة خصوبة التربة.

وأضاف «هيكل» أن هذا المصرف كان من المقرر إنشاؤه بداية من منطقة «بركة أحمد أبوالنصر» ماراً بالأراضى المجاورة حتى يصل إلى مفارق الشرطة، ويصب فى مصرف النصر «بركة العامية» سابقاً بطول حوالى 4 كيلومترات، كما أن إنشاءه سيخدم نحو7 آلاف فدان، وسيزيد من إنتاجيتها ويرفع خصوبتها، منوهاً بأنها مسئولية هيئة الرى والصرف، وليس «الزراعة»، مطالباً المزارعين بتقديم طلب للإدارة لتشكيل لجنة لمعاينة الوضع ورفع تقرير للجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات المناسبة لإنشائه.

 

 

 

 

 

 


مواضيع متعلقة