ضرورة الاستقرار السياسى والتعافى الأمنى
فى خطاب الدكتور مرسى أمام مجلس الشورى يوم السبت ٢٩ ديسمبر، كان الملمح الاقتصادى هو الملمح الرئيسى.. فلا أحد ينكر أن الوضع الاقتصادى فى مصر صعب جداً وحرج للغاية.. نعم مصر ليست مقبلة على إفلاس بالمعنى الحرفى للكلمة، لكنها مفلسة بمعنى العجز عن سداد ديونها.. قال الرجل إن الاقتصاد يتحرك للأمام، لكن جاءت الأحداث الأخيرة فاضطربت الأمور، ونسى أو تناسى أن إعلانه الدستورى المعيب الذى أصدره فى ٢١ نوفمبر هو السبب فى تلك الأحداث.. قال خبراء الاقتصاد: إن الخطاب تكلم فى العموميات، وإن الرجل كان مطلوبا منه أن يتكلم بشفافية أكبر، خاصة فى ما يتعلق بالإجراءات العملية التى سيتم اتخاذها فى الأيام القليلة المقبلة.. إن الدكتور مرسى فى أمسّ الحاجة إلى فريق اقتصادى على أعلى درجة من الكفاءة.. لكن يبدو أن هذا الفريق غير موجود، أو بمعنى أدق لا توجد هناك إرادة سياسية حقيقية للاستعانة بهذا الفريق.
دون الدخول فى تفاصيل الأرقام التى ذكرها الدكتور مرسى ومدى مطابقة الواقع لها من عدمه، يجب أن نقر أن المسألة الاقتصادية -كما هو معلوم- مرتبطة فى المقام الأول بالوضعين السياسى والأمنى، بمعنى أنه كلما كان هناك استقرار سياسى وممارسة حقيقية للديمقراطية، انعكس ذلك إيجاباً على الوضع الاقتصادى، والعكس صحيح.. أيضاً بقدر ما يكون الأمن متعافيا، قائما بدوره الصحيح فى تحقيق الانضباط العام وفق القانون، يقظا ومنتبها وراصدا وملاحقا ومجهضا لأى محاولة تنال من أمن وأمان واستقرار الوطن والمواطن، سواء على المستوى الفردى أو على المستوى المجتمعى العام، أقول: يؤدى هذا إلى تحسن وتقدم وتطور الوضع الاقتصادى فى كل مجالاته ومناحيه.
من ناحية الاستقرار السياسى، لا أحد يستطيع أن ينكر أن مصر تعانى أزمة، تتجلى فى هذا الانقسام الحاد فى المجتمع، العنف والاحتراب المهدد للسلم الأهلى، فقدان الثقة بين أطراف الجماعة الوطنية، الخصومة القائمة بين الرئاسة ومؤسسات الدّولة... إلخ. لقد دعا الرئيس مرسى المعارضة للحوار، فى خطابه أمام مجلس الشورى، لكنه لم يتكلم عن أجندة واضحة ومحددة عن هذا الحوار، وهل من الممكن التوصل من خلاله إلى قرارات أم لا.. لقد كانت هناك حوارات سابقة فى الأسابيع الماضية بين الرئيس ورموز المعارضة، وفوجئت المعارضة بقرارات ومواقف أفقدتها ثقتها فى أى حوارات.. قيل أيضاً إن الرئيس لم يف بوعوده.. وهذه هى المشكلة.
من ناحية الوضع الأمنى، لا أحد ينكر أن هناك تحسنا طفيفا فيه.. لكن الذى حدث خلال الشهر الماضى يؤكد أن هناك فارقا كبيرا بين ما هو كائن وما يجب أن يكون.. فعلى سبيل المثال لم تستطع أجهزة الأمن أن تقوم بدورها فى تمكين المحكمة الدستورية العليا من أداء مهامها، ولا فى أن تندلع أعمال عنف ترتب عليها سقوط شهداء وإراقة دماء كما حدث أمام قصر الاتحادية يوم الأربعاء الدامى، ولم تتخذ التدابير اللازمة التى تحول دون حرق مقرات الأحزاب، أو ما وقع عند مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية... إلخ. إن هيكلة وزارة الداخلية على أساس مفاهيم ورؤى وفلسفة جديدة تتناسب وأهداف الثورة المصرية لم يتم فيها شىء حتى الآن.
لذا أقول: ما زال هناك الكثير مما يتعين عمله فى ما يتعلق بهذين الموضوعين، حتى نتمكن من إحداث تعافٍ حقيقى فى الوضع الاقتصادى المأزوم.. دون ذلك سوف يكون قبض ريح وحرثاً فى بحر.