أقفاص دمياط الخشبية على كف عفريت.. حابس حابس!

كتب: سهاد الخضرى

أقفاص دمياط الخشبية على كف عفريت.. حابس حابس!

أقفاص دمياط الخشبية على كف عفريت.. حابس حابس!

تتعرض مهنة صناعة الأقفاص الخشبية بدمياط إلى مخاطر الانقراض، إثر تراجع الطلب عليها، فضلاً عن ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة فى تلك الصناعة، وأهمها «جريد النخيل»، إلى جانب انخفاض أجر العمالة وعدم إقبال الشباب على العمل فى تلك المهنة.

{long_qoute_1}

«زمان كان لنا قيمة، دلوقتى ما نسواش حاجة»، بتلك الكلمات وصف أحد العاملين فى صناعة الأقفاص الخشبية، أحوال العاملين بالمهنة، مشيراً إلى أن محافظة دمياط اشتهرت منذ أمد بتلك القرى، خاصة قرى «القفاصين» و«البستان» و«عزبة الفار»، التابعة لمركز كفر البطيخ، ولفت إلى أن تراجع طلبات الشراء على المنتج تسبب فى تراجع أحوال المهنة وتدهورها، مما دفع كثيراً من العمال للبحث عن مهن أخرى، بعدما بات صانع القفص الخشبى عاجزاً عن تدبير قوت يومه فيما عزف الأبناء عن توارث المهنة وأصبحت مهددة بالانقراض.

على «كومة من جريد النخيل»، جلس عزت إبراهيم، 50 عاماً، يتفحص المكان، وكأنه يدرك أنه سيأتى يوم لن يرى فيه المشهد الذى اعتاد على رؤيته كل صباح، ولا يلبث أن يقبض بيديه على ظهره، متألماً، يردد: «يا رب ارحمنى وتوب علىَّ من الشغلانة اللى مش جايبة همها دى»، عيناه تحويان عتاباً أو ربما ندماً، يميل برأسه إلى الأرض مواصلاً حديثه لـ«الوطن»، مشيراً إلى أنه بدأ العمل فى صناعة الأقفاص حينما كان صبياً لا يتجاوز عمره 15 عاماً، وتابع: «كلما تقدم بى العمر تقل قدرتى على العمل، روتين يومى قضيته لأعوام طويلة، يبدأ عقب صلاة الفجر وحتى صلاة العشاء وسرعان ما أنتهى من عملى متوجهاً لمنزلى أملاً فى الحصول على قسط من الراحة، ولكن سرعان ما تتحول ساعات الراحة إلى أوقات ألم، حيث لا أتمكن من النوم بسبب الألم الشديد فى الظهر، ورغم ساعات العمل الطويلة فإن أجرى لا يتجاوز عدة جنيهات لا تكفى لسداد الإيجار والإنفاق على أسرتى، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة».

يتوقف عزت للحظات ثم يضيف: «أغلبنا ترك المهنة بسبب تدنى الأجر وارتفاع أسعار الخامات، بعد ذلى وهوانى لن أسمح لأبنائى أن يعيشوا معاناتى مرة أخرى، فيكفى إصابات العمل التى يتحول بسببها الصانع لقعيد الفراش»، عزت يطالب بمعاش يحفظ أسرته من الذل والحاجة والمساعدة فى تربية أبنائه، معرباً عن تخوفه من تقدم العمر، وسط استمرار تراجع المهنة وعدم وجود عمل بديل يستطيع من خلاله تدبير نفقات أسرته.

«حينما عملت صانع أقفاص كان لدىَّ أمل فى تغيير الوضع للأفضل، وكنت أمنى نفسى دائماً بالأمل إلا أننى وجدت واقعاً مغايراً، فالحال يسوء والمهنة تتراجع، واحتياجات الأسرة تتزايد، اللى جاى مش مكفى اللى رايح، ما دفعنى للعمل بالزراعة أيضاً، خاصة بعد ظهور الأقفاص البلاستيك التى باتت مسماراً فى نعش صناعة الأقفاص الخشبية بالمحافظة، حيث أثرت على حركة البيع والشراء، حتى أصبح رب الأسرة عاجزاً عن الإنفاق على أسرته بسبب الدخل المحدود، فضلاً عن إصابة العاملين بأمراض العمود الفقرى نتيجة طول فترة العمل اليومى التى لا تقل عن ست عشرة ساعة».

وأمام منزله جلس فاروق غنيم أمام الأقفاص الخشبية، يندب حظه العثر، يفكر فى تدبير شئونه اليومية، وتتملكه الحسرة متفحصاً أطفاله وهو يردد: «يا رب ما تحكمش عليهم ببهدلتى وشقائى»، وأضاف قائلاً: «لم أترك مهنة إلا وعملت بها بعدما ضاق بى الحال فى صناعة الأقفاص وكل مرة أتركها أرجع لها تانى، هى أصلى والمهنة اللى شربتها حينما كنت شاباً صغيراً»، مشيراً لترك نحو خمسة وسبعين بالمائة من العاملين للحرفة واتجاههم لمهن أخرى بسبب الجهد وتراجع المهنة، والأقفاص البلاستيكية التى باتت منافساً قوياً لهم، فهناك من عمل زبالاً وآخر سائق عربة كارو وآخر بائعاً متجولاً، وهناك من اتجه للزراعة بحثاً عن جنيهات معدودة».

 


مواضيع متعلقة