الانسحاب الروسى وحل النظام الفيدرالى فى سوريا

وفاء صندى

وفاء صندى

كاتب صحفي

منذ إعلان روسيا سحب غالبية قواتها من سوريا والأقلام لم تجف فى محاولات تحليل أسباب هذا الانسحاب «المفاجئ»، الذى جاء بعد الاتفاق الأمريكى - الروسى القاضى بإلزام جميع الأطراف المقاتلة على الأرض بوقف إطلاق النار فى سوريا، باستثناء المناطق التابعة لتنظيمى داعش وجبهة النصرة، وهو الانسحاب الذى اعتبره البعض مؤشراً على أن روسيا باتت القوة الوحيدة المؤثرة فى ما يجرى فى دول المنطقة، فيما يراه البعض الآخر يعكس «هزيمة» روسيا.

المؤكد أن الأمر جد معقد، ولا يجب، فى أى حال، التسرع فى الحكم على القرار الروسى، خاصة أنه لم تعد، إلى حدود كتابة هذا المقال، إلا مجموعة محدودة من الطائرات الروسية إلى قواعدها فيما أعلنت روسيا، فى المقابل أنه سيكون لها وجود عسكرى دائم فى قاعدتى طرطوس وحميم، وهذا يعنى أن الانسحاب الروسى المعلن عنه ربما يكون الورقة الرابحة التى ستستعملها روسيا لصالحها فى حالتين: الأولى فى حال نجاح الهدنة ووقف إطلاق النار، ستقول روسيا إن تدخلها أدى إلى هذه النتيجة التى ستقود إلى فتح أفق المسار السياسى، أما إذا فشل اتفاق وقف إطلاق النار، فستعود روسيا أقوى مما كانت إلى سوريا بدعوى أن وجودها ضرورى لوقف إطلاق النار، وهو ما سيؤكد فى جميع الحالات الدور الروسى المحورى على الساحة السورية.

كما أن التدخل العسكرى الروسى حقق أهداف روسيا فى تقوية ودعم بقاء نظام الأسد وتوجيه ضربات ضد تنظيم داعش، كما أن روسيا بتدخلها ضمنت مقعدها على طاولة المفاوضات حول مستقبل سوريا دون أن تترك الأمر حكراً على أمريكا وأوروبا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، توقيت الانسحاب أرسل إشارة إيجابية للمعارضة السورية للانخراط بصورة أكثر إيجابية فى المسار السياسى فى جنيف، بالإضافة إلى ذلك، ربما تبحث موسكو من وراء الانسحاب عن الحصول على تنازلات من أمريكا والاتحاد الأوروبى فى ملف اتفاق «مينسك» لتسوية الأزمة الأوكرانية، وتنجح فى تخفيف آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

روسيا لحدود الآن خطواتها محسوبة فى سوريا بما يخدم استراتيجيتها فى المنطقة، لكن تبقى هناك تخوفات مطروحة من حدوث بعض الانزلاقات أو العودة بالأزمة إلى الخلف، والأمر يتعلق، أولاً، باستغلال النظام السورى للغياب الروسى من أجل معاودة حصار المدنيين أو استئناف إلقاء البراميل المتفجرة، مما سيؤثر سلباً على اتفاق الهدنة، والحيلولة دون وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين والمحاصرين، ثانياً، أن يكون هناك تنسيق بين روسيا وإيران، بحيث انسحاب روسيا يكون مرتبطاً بإحلال القوات الإيرانية محلها، وما يترجمه ذلك مع احتمالية تعنت النظام السورى، من تعقيد الوضع أكثر، مما سيسرع قيام المملكة السعودية بتنفيذ خطتها القاضية بالتدخل البرى فى سوريا من خلال قوات سعودية (التحالف الإسلامى) / تركية، بدعوى محاربة الإرهاب.

أما بخصوص اتفاق وقف إطلاق النار، فلا يزال يعرف بعض الخروقات المسكوت عنها، كما لا تزال هناك عراقيل بخصوص إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية للمناطق المحاصرة، حسب ما ورد على لسان ستيفان أوبراين، مساعد أمين عام الأمم المتحدة للشئون الإنسانية، فى الإحاطة الأخيرة لمجلس الأمن بخصوص الأوضاع الإنسانية فى سوريا، لكن ورغم كل هذه المعطيات، فإنه لا بد من استغلال ما هو إيجابى فى المستجدات من أجل دفع الأزمة فى اتجاه الحل السياسى بعد استئناف محادثات جنيف بين وفدى النظام والمعارضة، مع ضرورة الدفع بتمثيل أكبر قدر من أطياف المعارضة الوطنية الراغبة فى الحل السياسى فى المفاوضات.

من هنا، يجب الضغط الروسى على النظام السورى من أجل عدم خرق اتفاق الهدنة المعلن، وأن يلتزم بوقف إطلاق النار مما يسمح، أولاً، بخلق مناخ إيجابى لعملية المفاوضات السياسية. وثانياً، سيسمح بتوصيل المساعدات الإنسانية، وبهذا الخصوص، يجب مراعاة عدم تسييس هذا البعد الإنسانى الذى يجب أن يدرج فقط فى توفير الحق الأدنى من الحقوق المشروعة لشعب يئن تحت وطأة الحرب منذ ست سنوات، مما سيؤدى بالنهاية، إذا ما التزمت جميع الأطراف، إلى فتح آفاق المسار السياسى الذى يجب أن يراعى فيه وحدة الأراضى السورية.

أما الحديث عن نظام فيدرالى كردى فى شمال سوريا، فصحيح أن وفود كل من النظام والمعارضة قد عبرت عن رفضها له، قبل يومين، لكن يجب الاعتراف أن سوريا لم تعد تتحكم فيها فقط ثنائية «النظام والمعارضة»، لكنها باتت حلبة مفتوحة لحسابات وتوازنات القوى الإقليمية والدولية. مما يجعل حل التقسيم الشبح الذى سيخيم على سوريا والمنطقة إذا ما فشل مسار التسوية السياسية وإذا ما لم تقتنع كافة الأطراف أن الواقع يقول، إن لا سيطرة كاملة لأحدها على كل الأرض السورية، وإن أى فشل فى مفاوضات جنيف سيفرض النظام الفيدرالى كحل لأزمة طال أمدها.

لا بد من استغلال اتفاق وقف إطلاق النار لإعادة الثقة بين أبناء سوريا وترميم شروخاتهم، والتقريب أيضاً بين النظام والمعارضة، وإن كانت المسافة بينهم «لا تزال كبيرة»، كما عبر عن ذلك دى ميستورا، فى انتظار التوصل إلى «قواسم مشتركة» تفضى إلى حل يحافظ على وحدة الدولة السورية ومؤسساتها.