«الوطن» تكشف في تحقيق استقصائي: شركات بالقاهرة تنظم دورات تدريبية لـ«لنهب الآثار» عن طريق «العصا السحرية»

«الوطن» تكشف في تحقيق استقصائي: شركات بالقاهرة تنظم دورات تدريبية لـ«لنهب الآثار» عن طريق «العصا السحرية»
- أجهزة الأمن
- أجهزة الكشف عن المعادن
- أراضى الآثار
- أرقام هواتف
- استيراد وتصدير
- اسم مستعار
- الآثار الفرعونية
- الأدوار العليا
- آبار مياه
- أجهزة الأمن
- أجهزة الكشف عن المعادن
- أراضى الآثار
- أرقام هواتف
- استيراد وتصدير
- اسم مستعار
- الآثار الفرعونية
- الأدوار العليا
- آبار مياه
- أجهزة الأمن
- أجهزة الكشف عن المعادن
- أراضى الآثار
- أرقام هواتف
- استيراد وتصدير
- اسم مستعار
- الآثار الفرعونية
- الأدوار العليا
- آبار مياه
- أجهزة الأمن
- أجهزة الكشف عن المعادن
- أراضى الآثار
- أرقام هواتف
- استيراد وتصدير
- اسم مستعار
- الآثار الفرعونية
- الأدوار العليا
- آبار مياه
أجرت «الوطن» تحقيقًا استقصائيًا عن استخدام «أجهزة الكشف عن المعادن» في التنقيب عن الآثار والذهب. وكشف التحقيق الذي يُنشر اليوم الأحد في النسخة المطبوعة من «الوطن» عن وجود شركات تبيع تلك الأجهزة في القاهرة وتسوّق لنفسها عبر الإنترنت وتعمل في أريحية تامة. وجاء في التحقيق:
فى القاهرة، وبمجرد الضغط على زر البحث على موقع جوجل، بعد كتابة ثلاث كلمات فقط «جهاز الكشف عن المعادن»، يخرج عدد كبير من النتائج، وإعلانات لشركات عدة، صور للجهاز ممهورة بجمل: «لراغبى البحث عن الآثار» متبوعة بجملة «وتصل إلى أكبر الأعماق»، «لراغبى البحث عن الكنوز والذهب والآثار الفرعونية»، وكلها لشركات تذيل الإعلان بعناوينها فى أرقى شوارع العاصمة، وأرقام هواتف المسئولين عن تلك الشركات التى وصفت نفسها بشركات استيراد وتصدير أجهزة الكشف عن المعادن.
بالاتصال بأحد تلك الأرقام، رد على الهاتف شخص شامى اللهجة، سأله معد التحقيق عن أجهزة كشف المعادن تمهيداً للشراء، وقال الرجل الذى يدعى «هيثم الحلبى» (اسم مستعار)، إن لديه أكثر من نوع، وحسب الإمكانيات، وحسب الغرض من الاستعمال، وبسؤال هل حمل الجهاز يتطلب وجود ترخيص أو تصريح؟ قال بكل ثقة إن الجهاز لا يحتاج حمله إلى أى تصاريح، وطالب بالحضور إلى مقر الشركة الكائنة بأحد الشوارع الكبرى بمنطقة الدقى بالجيزة لرؤية الأجهزة على الطبيعة، وتحديد النوعية المراد شراؤها.
فى الموعد المتفق عليه، توجه «المحرر» إلى مقر الشركة، التى تقع بشقة بأحد الأدوار العليا بعمارة فارهة، بأحد أهم شوارع منطقة الدقى بالجيزة، وفى جلسة داخل غرفة صغيرة تضج جدرانها بصور أجهزة الكشف عن المعادن بأشكالها وأنواعها المختلفة، كان اللقاء بـ«الحلبى»، الذى عرف نفسه بأن سورى الجنسية، وحاصل على ماجستير فى علوم الجيوفيزياء، من جامعة دمشق.
بدأ اللقاء بإصرار واضح من الشاب لمعرفة الغرض من شراء الجهاز، وتحديد الشىء المراد الوصول إليه حتى يسهل اختيار نوعية الجهاز وإمكانياته، مؤكداً الحفاظ على سرية الحوار، طلبنا إغلاق باب الغرفة، ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجه الشاب، قال: «يبقى كده انت عايز جهاز كشف فراغات تحت الأرض».
يفصح «المحرر» عن قصته «المختلقة»، ومسعاه نحو إحدى المقابر الفرعونية تحت منزله، مدعياً أنها المرة الأولى له فى هذا العمل، وهو ما دفعه للقائهم قبل الشراء ليفهم بعض الأشياء الخاصة باقتناء الجهاز.
يقول الشاب الأصلع إنها ليست المرة الأولى التى يتعاملون فيها مع منقبين عن الآثار، بل يوفرون لهم دعماً تقنياً بعد شراء الجهاز من خلال تحليل البيانات التى ستخرج عنه، ودعماً تعليمياً لكيفية عمل الجهاز بعد شرائه، مشيراً إلى أن شركتهم تعمل فى هذا المجال منذ ثلاث سنوات، وتوفر فاتورة جهاز حفر آبار مياه لتقديمه إلى أى كمين يعترض طريقهم وبحوزتهم الجهاز.
فتح «أيمن» جهاز «اللاب توب» وأخذ يقلب ويعرض ملفات العملاء من عصابات التنقيب عن الآثار والمرتبة جغرافياً حسب المحافظات، التى سبق وحللت لهم الشركة البيانات التى تخرج من الجهاز وتحدد لهم مواقع الحفر، بجانب عرض صور لمقابر منبوشة وما خرج منها من محتويات ومسلات شاهقة الارتفاع مدفونة فى الأرض.
يقول «الحلبى» إن الجهاز قادر على تحديد نوعية الفراغ، هل هو من صنع الطبيعة، أى كهف قديم، أو من صنع الإنسان، حتى يتأكد المنقب من وجود مقبرة بالفعل، ولا يهدر الأموال والمجهود فى الحفر وبعد ذلك تكون الحفر تجويفاً بفعل عوامل التقلبات الجيولوجية.
دخل «الحلبى» للغرفة المجاورة، وأخذ ينقل حقائب صغيرة، ويرصها على الأريكة المقابلة للمكتب، ثم يفتحها، ويعرض ما بداخلها من أجهزة كشف عن المعادن بأنواعها المختلفة، ويشرح كيفية العمل بها، وماركتها، وبلد المنشأ.
«هذا جهاز يصل لعمق 32 متراً، ويسمى بـ«Jeo Sonar» ويتكون من مجسات تزرع فى الأرض، طولها 30 سم، يشير إلى قطعة معدنية وهو جهاز «Sonar» يقوم بإرسال الموجات التى توصل بالمجسات، وتوصل من جهة أخرى بجهاز لاب توب ملحق بالجهاز، ويقول إن الجهاز يقرأ ويصل إلى المقبرة خلال عشر دقائق وثمنه 55 ألف جنيه.
يدخل الشاب الأصلع «أيمن»، ويعود بجهاز وصفه «الحلبى» بأنه أقوى أجهزة العالم يسمى «Gepard GPR»، حيث يعمل بنظام «جى بى آر»، ويصل ثمنه إلى 20 ألف دولار، وهو يخرج بأكثر من معلومة، حيث يحدد شكل المقبر ومكانها وطريقة الحفر، وما تحتويه المقبرة، ونوع الصخور التى ستقابلك خلال عملية الحفر.
ويستمر فى الشرح جهازاً تلو الآخر، ومن داخل حقيبة أخرى يخرج جهازاً يسمى الجهاز الاستشعارى، «Jeotara» وهو يعمل خلال أسلاك نحاسية تمسك باليد، موصلة بوحدة أرضية، ويرسل إشارات أرضية، وبعد عشر دقائق تبدأ الأسلاك النحاسية تتحرك لتحدد موقع الهدف من خلال تشكيل شكل على هيئة حرف إكس بالأسلاك النحاسية، ويصفه بالأكثر دقة، حيث يعمل بنظام الاستشعار عند بعد ويصل إلى عمق 20 متراً.
طمأن الشاب ذو اللهجة الشامية محرر «الوطن» الذى أظهر له عدم وعيه بطريقة عمل الجهاز بأن الشركة توفر دورة تدريبية بعد شراء الجهاز للتدريب على ما يخرج منه، وقال: «متقلقش مش هنسيبك حتى بعد الدورة التدريبية».
الأخطر من ذلك هو توفير تلك الشركات لعصابات الآثار التى تتعامل معها دورات تدريبية فى الخليج، خاصة فى دولتى الإمارات والكويت لتعلم كيفية التعامل مع الجهاز وما يخرج عنه من بيانات، حسبما تقول «مونيكا حنا»، أستاذ علم المصريات بالجامعة الأمريكية فى حديثها لـ«الوطن»، وتشير إلى أن الشركات أيضاً توفر متخصصاً بجانب الجهاز لتحليل ما يخرج عنه من بيانات للعصابات المنتشرة فى صحراء الصعيد والجيزة، مشيرة إلى أن تلك الشركات لا بد من مراقبتها أمنياً لأنها تساعد فى نهب ثروات البلد «المراقبة الأمنية ليهم صفر»، وتطالب «حنا» بضرورة إلحاق طلب الموافقة الأمنية على استخدام الجهاز للخبراء والمتخصصين بـ«جى بى إس» يحدد موقع الحفر ويراقب عمل الجهاز ويمنع استخدامه فى سرقة الآثار.
«لا تحتاج شركات الاستيراد والتصدير لإدخال أجهزة الكشف سوى موافقة من جهاز الأمن العام»، يقول محمد أبوزيد، رئيس الإدارة المركزية للجمارك بميناء بورسعيد، مؤكداً أن الأجهزة ليس عليها حظر استيراد، ومسموح بدخولها، وتابع أن تلك الأجهزة لم تدخل من ميناء بورسعيد، إلا لبعض شركات البترول والتعدين، ولم تستورد لأى شركات استيراد وتصدير خلال فترة إدارته للجمارك، ولم ينكر دخول تلك الأجهزة مهربة من الجمارك فى بعض حاويات أجهزة أخرى، مستغلين صغر حجمها.
- الأمن العام يرد
اللواء السيد جاد الحق، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، قال لـ«الوطن» إن أجهزة الكشف عن المعادن تنقسم لدى وزارة الداخلية إلى شقين، الأول وهو يسمى بالأجهزة «السطحية»، التى تختص بتفتيش الأفراد على الأبواب فى بعض الهيئات والقطاعات الخاصة والعامة، وهى مسموح باستيرادها والاتجار بها، ولكن بعد استخراج التصاريح اللازمة، وتخضع الشركات التى تتاجر بها لمراقبة دورية من الأمن، ومعرفة دورية، ومراقبة على المشترين، الذين يكونون فى غالبية الأمور شركات الأمن والحراسة.
أما الأجهزة التى تختص بـ«الأعماق» فممنوع استيرادها أو الاتجار بها أو دخولها للبلاد، ولا يسمح للأفراد باقتنائها، ويقتصر السماح بدخولها فقط على الهيئات الشرطية والقوات المسلحة وبعض الهيئات العامة كالآثار والتعدين، وغير مسموح للأفراد باقتنائها أو شرائها أو الاتجار بها من الأساس، وهذا الحظر المفروض عليها وفق مقتضيات الأمن العام، وليس لها قانون ينظمها، ولكنه حظر أمنى تفرضه وزارة الداخلية لما لها من خطورة على الأمن، وما يدخل للبلاد يكون عبر التهريب من الحدود، وأى شركة تقوم ببيع تلك الأجهزة يعتبر مخالفة، ويجب ضبطها على الفور، إذا ثبت ذلك حسب تصريح مساعد الوزير لـ«الوطن».
وقال جاد الحق إن مراقبة شركات الاستيراد والتصدير، التى تبيع أجهزة الكشف عن المعادن، لمنع بيع أجهزة الأعماق ليست مهمة جهاز الأمن العام وحده ولكن مهمة كافة أجهزة الأمن بالبلاد.
وألمح مساعد الوزير إلى إمكانية إدخال شركات الاستيراد والتصدير بعض أجهزة الأعماق مهربة بين الأجهزة السطحية المسموح بدخولها، مشيراً إلى أن جميع الأجهزة تخضع لعمليات فحص من خلال لجنة تتبع الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، تعقد بشكل شهرى للبت فى جميع الأجهزة قبل دخولها، التى تعطى الموافقة للأمن العام لإصدار التصاريح اللازمة للأجهزة السطحية فقط.
أما دخول الأجهزة بحوزة خبراء التعدين والبترول والآثار، فيقول إنهم يحصلون على تصاريح بعد طلب مقدم من الهيئة المعنية بهم، وبعد فحص الجهاز من قبل الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، ويثبت الجهاز على باسبور الخبير، ويعين مراقب على الجهاز من الهيئة المختصة لمراقبة عمله فى المكان والغرض الذى قدم خلال طلب التصريح.
محمد حسيب، نائب رئيس هيئة اعتماد النوع بالجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، قال: «إن أجهزة الكشف عن المعادن تقوم بإرسال موجات وترددات، لذلك فهى خاضعة للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، وغير مسموح بالاتجار فيها وفقاً لقانون الاتصالات، وإن تلك الشركات التى تبيعها لتجار الآثار مخالفة للقانون وعلى وزارة الداخلية ضبطها»، وأضاف: «إن بعض الهيئات والخبراء والباحثين يسمح لهم باقتناء تلك الأجهزة، وإدخالها للبلاد ولكن بتصاريح تصدر من الجهاز، ويصدق عليها من قبل الأمن العام».
بمواجهة صاحب إحدى شركات استيراد الأجهزة، محمد خليلى، بما كشفه التحقيق، قال بثقة مفرطة لـ«الوطن»: «إن جميع أوراقهم رسمية وإنهم يحصلون على كافة التصاريح الرسمية الخاصة باستيراد الأجهزة، وتشمل تصريح الأمن العام والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ودفع الرسوم الجمركية، ولكن شريطة بيع تلك الأجهزة لشركات التعدين وشركات المقاولات».وبسؤاله عن نفى مدير الأمن العام إصدار تصاريح لأجهزة خاصة بالأعماق، أجاب «الخليلى» الذى بدا عليه بعض التوتر، «إن هناك جزءاً ملحقاً بشركته خاصاً بالتعدين ولديه ترخيص تنقيب يسمح له باستيراد تلك الأجهزة الخاصة بالأعماق، ويتيح له الحصول على كافة الأوراق الرسمية، التى تعمل على تحديد نوعية طبقات التربة»، ونفى بشدة بيع تلك الأجهزة لعصابات الآثار، وأردف نافياً: «تلك الأجهزة لا تستطيع تحديد مواقع المقابر الأثرية، لأن قدرتها ضعيفة من الأساس والموضوع كله موضوع تسويق ليس إلا».
- ثلاثة قوانين.. والحكم براءة
ورغم تأكيد «حسيب» أن الجهاز يخضع لقانون الاتصالات، ولكن اختلفت رؤية ثلاث جهات مصرية لاقتناء والاتجار فى الجهاز، حيث لا يعاقب قانون الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010، حملة ومقتنى الجهاز إلا لو قبض عليهم داخل المناطق الأثرية، ويساوى القانون بين الجهاز وأى جاروف أو معدة صغيرة، ولا يختصه بأى شىء رغم خطورته، يقول عمر الحضرى، مفتش آثار بمنطقة سقارة.
وتابع: «أراضى الآثار، وهى لا تمثل شيئاً بالنسبة للمناطق الأثرية الموجودة خارجها، التى تضج بالمقابر، والتى لا يختص فيها القانون بحيازة الجهاز وهى المناطق التى تعمل فيها عصابات الآثار بكثافة، خاصة فى صحراء الصعيد والمناطق المتاخمة للمناطق الأثرية تحت منازل السكان، التى يصعب كشف عمليات التنقيب بها». خارج مناطق الآثار دأب محررو محاضر الشرطة للمقبوض عليهم وبحوزتهم الجهاز، على تصنيف الجهاز بالمحظور استخدامه للأفراد لحساسيته، وفقاً للقرار الصادر عن الأمن العام، وبعض تلك المحاضر التى حصل معد التحقيق على نسخة منها صنفت الجهاز، وهو ما يؤكده محمد همام رئيس مباحث مدينة شلاتين.
وفى الوقت الذى أكد فيه مساعد وزير الداخلية اللواء «جاد الحق» أن الجهاز لا يخضع لقانون الاتصالات، إلا أن معد التحقيق حصل على تقرير فنى صادر من الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، ممهور بخاتم النسر، خاص بقضية حيازة جهاز كشف معادن، رقم 2 جنح اقتصادية الشلاتين لعام 2012، أورده المهندس كريم عبدالله السعداوى، بإدارة اعتماد النوع بجهاز تنظيم الاتصالات أفاد فيه بأن تلك الأجهزة تعمل فى حيز ترددى غير مسموح به داخل الجمهورية دون موافقة من الجهاز، وهو ما يعد مخالفة صريحة لقانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لعام 2013، وهو نفس ما أكده محمد حسيب، مساعد مدير إدارة اعتماد النوع بالجهاز القومى لتنظيم الاتصالات.
ولكن كان لهيئة الثروة المعدنية رأى آخر، حصل عليه معد التحقيق من تقرير فنى آخر خاص بالهيئة، فى قضية مماثلة، تحمل رقم 13 لعام 2012، الخاص بنفس نوع الجهاز الوارد فى التقرير الفنى للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات وأجهزة أخرى، أن اقتناء الجهاز أو شراءه أو الاتجار به لا يحتاج إلى ترخيص أو تصريح، ويمكن استخدامه فى المناطق الصحراوية، بعد الحصول على تراخيص خاصة بالحفر والتنقيب من هيئة الثروة المعدنية، وفقاً لقانون المناجم والمحاجر 86 لعام 1956.
الدكتور مصطفى إسماعيل، استشارى العلوم الجيولوجية والبيئية قال لـ«الوطن»، إن قانون هيئة الثروة المعدنية يتعامل مع الجهاز شأنه شأن معدة الحفر، له تراخيص تختص بالمناجم والمحاجر، وهى تراخيص حفر، ولكن حمله واقتناءه غير معنى به القانون، وغير مذكور، وهو أمر نتركه للهيئات الأمنية المختصة، مشيراً إلى خطورة الجهاز وانتشار استخدامه فى أعمال غير مشروعة، خاصة أن غرامات الحفر بدون ترخيص غرامات زهيدة للغاية، ولا تتساوى مع مقدار الجرائم التى يقترفها حملة الأجهزة.
إلا أن القضيتين اللتين حصلت «الوطن» على نسخة من أوراقهما انتهتا بالبراءة لحملة الأجهزة، وقال القاضى فى منطوق حكمه فى القضية رقم 155 لسنة 2012 جنح المحكمة الاقتصادية بقنا، الخاصة بحيازة أجهزة كشف معادن: «إن الأجهزة المضبوطة لا يحتاج أى منها لترخيص ومسموح باستخدامها، الأمر الذى تنهدم معه دعائم الإثبات القانونى لتلك القضية، لذلك حكمت المحكمة ببراءة المتهمين مما نسب إليهم».
«نفسنا جهة واحدة تطلع تقول أنا مسئولة عن الجهاز»، يقولها أشرف عمارة، محام متخصص فى قضايا ضبط أجهزة الكشف عن المعادن، ويقول إن الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات يدعى حيناً أنها تتبعه وفى قضايا أخرى لا تتبعه مع أنها نفس الأجهزة، وعلى الرغم من أن هيئة الثروة المعدنية تقول إن حملة الأجهزة لا يحتاجون لأى تصريح، يخرج علينا خبراء الاتصالات فى بعض الأحيان بتقارير تجرم حيازته، مشيراً إلى وجود خلل قانونى وتشريعى وتنازع على الجهاز، الذى رغم استخداماته المحدودة ولكن لا يوجد قانون يذكر الجهاز وحملته أو يختصهم بعقاب.
- صنع فى مصر
ولكن كانت ثمة وسيلة أخرى استخدمتها شركات بيع أجهزة الكشف عن المعادن لاستيرادها بشكل رسمى وتسهيل الحصول على موافقة الأمن العام، كشف عنها محمد عبدالرحمن، مطور جهاز كشف المعادن، الذى تعامل بنفسه مع تلك الشركات وعلى اتصال وثيق بها، ولديه معلومات عنها، ويقول: «الشركات تعتمد فى إدخال الأجهزة على ذمة شركة تعدين أو شركات حفر آبار مياه «وهمية» أو حقيقية بعد الاتفاق معها، لصعوبة الحصول على موافقة الأمن العام».
بجانب أن بعض تلك الشركات تقوم بما وصفه بـ«الغش التجارى»، حيث تقدم نسخ مقلدة من تلك الأجهزة على أنها أجهزة أصلية، يقول «عبدالرحمن» الذى طور بنفسه أحد تلك الأجهزة «ga5000»، وباعه لإحدى الشركات، ولكن فوجئ بعرض الجهاز للبيع بعدما وضعوا علامة «صنع فى أمريكا»، وباعوه لعصابات الآثار.
الشاب العشرينى الحاصل على شهادات بأفضل ثلاثة مشروعات على مستوى الجامعات المصرية، لتطويره جهازاً لكشف المعادن، ليصل لعمق 100 متر، بدأ فى تطويره لمساعدة الفلاحين من أهل مدينته المنصورة، للوصول لقطع عملات معدنية تنتمى للعصر الرومانى، يصل سعر الواحدة منها إلى 40 ألف جنيه، مدفونة فى الأراضى الزراعية، ولكن بعد نجاح مشروعه تطور الأمر معه من بيع الأجهزة لشركات الاستيراد والتصدير إلى تصدير الجهاز لدول الخليج، حيث يستخدمونه فى التنقيب غير المشروع عن الآثار هناك، وهو ما اعتبره سوقاً مفتوحة دفعته لمحاولة تأسيس شركة تجميع وتصنيع الجهاز فى مصر، ولا يجد الشاب صعوبة فى إخراج جهازه من الجمارك المصرية، ولكن تكمن الصعوبة فى دخولها للبلاد الخليجية، حيث ممنوع دخولها للبلاد إلا بتصاريح مشددة وإجراءات غاية فى الدقة: «أنا مش ببيع لتجار الآثار فى مصر، حد الله بين وبينى اللى يضروا بلدى».
فشل التقنين فى أسوان
جنوباً فى وادى العلاقى، بمحافظة أسوان، كان هناك مشهد آخر، حيث انفرجت أسارير «عيسى جمعة»، ابن قبيلة البشارية، بعد صدور قرار رئاسى بإنشاء شركة حلايب وشلاتين للتعدين، قبل نحو شهرين للإشراف على عملية التنقيب، وما تلتها من إجراءات تقنن عمل الدهابة من قبيلتى «العبابدة» والبشارية، واستخراج تصاريح عمل للأجهزة هناك.ولكن ما لم يكن يتوقعه «جمعة» ورفقاؤه من الدهابة أن تكون تلك الإجراءات حبراً على ورق، ومع أول شهر عمل له تضبط دورية أمنية مجموعة العمل الخاصة بهم، وتصادر جهازين من أصل خمسة أجهزة كانت معهم، يقول «جمعة» باستغراب شديد: «تجربة التقنين فشلت»، لأنها فى الأصل لا يوجد لها قانون ينظم عملها، حتى ما يخرج من تصاريح أمنية للأجهزة التى نعمل بها، تفوح بالأخطاء «بيضحكوا علينا».يدس «جمعة» يده فى جيب جلبابه الأبيض، ليخرج التصريح الأمنى للأجهزة المصادرة، وإلى جواره تصريح العمل للأفراد: «هو هو نفس التصريح»، حيث يظهر فى خانة الاسم، الشخص نفسه صاحب الجهاز، دون توضيح نوع الجهاز ولا اسمه ولا مكان التنقيب، وأمام خانة الوظيفة كتب «جهاز كشف معادن»، ويقول ضاحكاً على شكل التصريح الذى كاد يمزقه من العصبية المفرطة: «يعنى احنا أجهزة مش بنى آدمين على كده».
«جمعة» يقول إن عدم وجود قانون يجعلهم فريسة لضباط معدومى الضمير يقومون بضبط الأجهزة بغرض الاستفادة الشخصية منها من خلال دفع بعض العساكر للتنقيب عن الذهب فى الجبال».
عوض هدل، رئيس جمعية البشارية، يقول إن شركة حلايب وشلاتين تضع شروطاً مجحفة وظالمة لعمل الدهابة، حيث وضعت نسبة كبيرة مما يخرج بها الدهابة بعد شهور من العمل فى الجبل، ونسبة ثابتة تصل إلى 20 جراماً من الذهب وهو ما يستطيع أن يتحصل عليه الفرد بعمله بالجهاز فى بعض الأحيان، هذا بخلاف تكلفة تصاريح الجهاز والعاملين أنفسهم، بجانب تحديد مناطق بعينها للتنقيب وهى مناطق نضبت من الذهب بعد العمل بها لسنوات دون وجود قانون، وحظر العمل فى مناطق ما زالت تضج بحجارة الذهب، مشيراً إلى أن تلك القيود دفعت الكثيرين للعودة للعمل بدون التصاريح التى تصدر عن الشركة والأمن.
يعتبر «هدل» أن اختصاص قبيلتى العبابدة والبشارية بتصاريح استخدام الأجهزة مفيد لقبائلهم، ويمنع الدخلاء من مدن الصعيد من الدخول لأراضيهم، ولكن فى نفس الوقت يقول إن العاملين فى الذهب من جميع محافظات مصر، ورغم أن هذا الاختصاص يسعد القبيلتين ولكن يسمح للكثيرين بالعمل دون تصريح. استمرار انتشار الأجهزة فى ربوع البلاد يعرض ثرواتها للخطر الدائم، سواء مقابر الفراعنة التى تعمل على نبشها العصابات دون هوادة، أو المخزون الجوفى للذهب فى جبال البحر الأحمر، الذى يخرج منه يومياً مئات الآلاف من الكيلو جرامات، دون رقابة من الدولة، ليبقى الجهاز عصا سحرية، على الدولة الوقوف فى وجه مروجيها للعصابات وسارقى الكنوز، والرقابة على مستخدميها، من الباحثين والعلماء، مع ضرورة وجود تشريع يقنن مواضع استخدامها، ويضع آليات للرقابة على العاملين به.
- أجهزة الأمن
- أجهزة الكشف عن المعادن
- أراضى الآثار
- أرقام هواتف
- استيراد وتصدير
- اسم مستعار
- الآثار الفرعونية
- الأدوار العليا
- آبار مياه
- أجهزة الأمن
- أجهزة الكشف عن المعادن
- أراضى الآثار
- أرقام هواتف
- استيراد وتصدير
- اسم مستعار
- الآثار الفرعونية
- الأدوار العليا
- آبار مياه
- أجهزة الأمن
- أجهزة الكشف عن المعادن
- أراضى الآثار
- أرقام هواتف
- استيراد وتصدير
- اسم مستعار
- الآثار الفرعونية
- الأدوار العليا
- آبار مياه
- أجهزة الأمن
- أجهزة الكشف عن المعادن
- أراضى الآثار
- أرقام هواتف
- استيراد وتصدير
- اسم مستعار
- الآثار الفرعونية
- الأدوار العليا
- آبار مياه