أشكال جديدة للتزوير
ناضلت القوى الديمقراطية سنوات طويلة من أجل منع تزوير الانتخابات، واجتهدت فى تحديد كيفية منع التزوير، بعد أن أصبح للتزوير كتالوج محدد يتضمن طرد مندوبى مرشحى المعارضة من اللجان، وتسويد البطاقات الانتخابية للناخبين الغائبين، وتكرار اسم الناخب الواحد عدة مرات فى كشوف الناخبين، حيث يرد اسمه رباعياً مرة وثلاثياً مرة، ويختلف اسم الأب مرة واسم الجد مرة أخرى وهكذا.
واقترحنا فى مواجهة هذه الأشكال من التزوير أن تُعد جداول الناخبين وفق قاعدة بيانات الرقم القومى، ويُذكر إلى جوار اسم الناخب رقمه القومى، وأن يُوقِّع الناخب باسمه أو بصمته فى كشوف الناخبين، واستخدام الحبر الفوسفورى الذى لا يزول إلا بعد أربع وعشرين ساعة، وتحققت هذه المطالب أخيراً وتصورنا أن التزوير سوف يختفى من الانتخابات المصرية بعد أن كان سمة ملازمة لها طوال أكثر من أربعين سنة.
ولكننا فوجئنا أخيراً بعودة التزوير مرة أخرى من خلال أشكال جديدة، ومن المؤسف أن يأتى ذلك وفى السلطة رئيس جمهورية منتخَب يتحدث باسم الإسلام وحزب سياسى مسيطر على السلطة هو الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، ولن يغفر الشعب المصرى لهم عودة التزوير مرة أخرى من خلال أشكال جديدة بعد توافر الضمانات التى ناضلنا طويلاً من أجلها.
يعتبر التصويت فى الاستفتاء على الدستور نموذجاً واضحاً لأشكال التزوير الجديدة، والتى أثرت بالطبع على نتائج الاستفتاء، وسأكتفى هنا بأربعة أشكال جديدة للتزوير:
أولاً: حرمان الشعب من المشاركة فى لجان الاستفتاء: كان قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956 ينص فى المادة 24 منه على أنه فى حالة الاستفتاء يختار رئيس اللجنة أعضاءً فى اللجنة من بين الناخبين الذين يعرفون القراءة والكتابة والمقيّدة أسماؤهم فى جدول الانتخابات الخاص بالجهة التى يوجد بها مقر اللجنة، وبهذا النص كان للناخبين دور فى مراقبة عملية الاستفتاء طوال مرحلة التصويت ومرحلة فرز الأصوات بالنيابة عن الشعب، وكان من حقهم تسجيل ملاحظاتهم على سير عملية الفرز والتصويت. وقد تم تعديل نص المادة 24 بالقانون رقم 46 لسنة 2011 الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحذف الفقرة الخاصة بتمثيل الشعب فى لجان الاستفتاء دون أن ينتبه أحد إلى هذا التعديل الخطير الذى يستبعد الشعب من المشاركة فى عملية التصويت داخل اللجان، وأصبحت لجنة الاستفتاء كلها من الموظفين الذين تم اختيارهم هذه المرة من الموالين لجماعة الإخوان المسلمين. ويعتبر هذا التصويت عاملاً مساعداً على تزوير الانتخابات فى غيبة ممثلين للناخبين.
ثانياً: حرمان أغلبية الناخبين من التصويت، حيث تم دمج كل مجموعة من اللجان الانتخابية فى لجنة واحدة يزيد عدد أعضائها على تسعة آلاف ناخب مما أدى إلى بطء عملية التصويت وظاهرة الطوابير الطويلة الممتدة أمام اللجان، وكان من المستحيل أن يكفى الوقت المخصص للتصويت، لكى يتمكن الناخبون أمام كل لجنة من التصويت، وهكذا تم حرمان أغلبية الشعب من حقهم فى التصويت، ولم تزد نسبة التصويت على 31% من إجمالى الناخبين، وهذا وحده كافٍ لإبطال عملية الاستفتاء بأكملها، لأنه لم يوفر للناخبين حقهم فى التصويت.
ثالثاً: البطاقة الدوّارة: ابتُكر هذا الشكل من التزوير بعد أن توافرت الشروط التى تمنع تسويد بطاقات الناخبين الغائبين لصالح توجُّه معين. وتتم عملية التزوير من خلال البطاقة الدوارة عندما يتم تسريب بطاقة اقتراع يقوم المزورون بتسويدها لموقف معين أو مرشح معين، ويدخل الناخب بها ليتسلم بطاقة غير مؤشر عليها ويضعها خلف الستارة فى جيبه ثم يضع البطاقة المسودة فى الصندوق، وهكذا يدخل ناخب بعد آخر بهذه البطاقة الدوّارة لضمان التسويد فى اتجاه معين.
رابعاً: احتكار تصاريح المراقبة لتوجه معين، فقد قررت اللجنة العليا للانتخابات أن يكون المجلس القومى لحقوق الإنسان، الجهة الوحيدة التى تمنح تصاريح المراقبة لمنظمات المجتمع المدنى، ونتيجة لسيطرة الإخوان المسلمين على المجلس تم منح التصاريح للمنظمات الحقوقية التابعة لهم، وعلى رأسها مركز «سواسية» وحرمت المنظمات الأخرى من الحصول على تصاريح، واحتكر الإخوان المسلمون حق الوجود فى اللجان بصفة دائمة واستخدموا وجودهم فى توجيه الناخبين للتصويت بـ«نعم» كما شاركوا فى عملية فرز الأصوات على النحو الوارد فى تقرير منظمات المجتمع المدنى للجنة العليا للانتخابات والنائب العام.
وهكذا فإنه من خلال هذه الأشكال الجديدة للتزوير تحقّقت الغلبة للمصوتين بـ«نعم»، وهو أمر لا يمكن السكوت عليه، ومن الضرورى اللجوء للقضاء لمواجهة هذه الأشكال الجديدة من التزوير وضمان نزاهة الاستفتاءات والانتخابات بعد ذلك.