البرلمان المصرى الصديق

بمجرد صدور تقرير البرلمان الأوروبى حول أوضاع حقوق الإنسان فى مصر على هامش مقتل الطالب الإيطالى ريجينى، عقدت هيئة مكتب المجلس الموقر اجتماعاً طارئاً برئاسة الدكتور على عبدالعال للرد على ما جاء فى التقرير، وأصدرت بياناً أكدت فيه أن بعض ما ورد فى القرار الأوروبى ادعاءات لا صحة لها، وأن مسائل حقوق الإنسان وإن أضحت شأناً يهم الجميع، فإنه من غير المقبول اتخاذها ذريعة للتدخل فى الشأن المصرى. هيئة مكتب مجلس النواب اعتبرت قرار البرلمان الأوروبى تدخلاً من جانب الأجانب فى شأن يتعلق بالسيادة المصرية.. حسناً، ولكن ما الوضع بالنسبة لتدخل البرلمان المصرى الصديق؟!.

كنت أنتظر أن يتحرك البرلمان -قبل غيره- لبحث ما تتناوله بعض التقارير الصادرة عن الأوضاع الحقوقية فى مصر، ومن بينها على سبيل المثال تقارير المجلس القومى لحقوق الإنسان، كنت أنتظر أن يستبق البرلمان المصرى نظيره الأوروبى، ويطالب الحكومة بإعلان نتائج التحقيق فى مقتل «ريجينى»، حتى تتجنب مصر الحرج الذى وضعها فيه القرار الأوروبى، وما أضافه من ضغوط على المواقع المضغوط الذى نعيشه هذه الأيام، كنت أنتظر أن يأتى البرلمان المصرى بوزير الداخلية، لكى يستجوبه فى موضوع مقتل الطالب الإيطالى وغيره، لكن البرلمان أثبت بهذا النمط من الأداء أنه لا يعتبر مساءلة الحكومة، أو الرقابة على أدائها جزءاً من منظومة مهامه، بل على العكس تماماً، إن هيئة مكتبه تعتبر نفسها «غفيراً» من «غفراء» السلطة، ومحامياً من محاميها، والدليل على ذلك هذا البيان، الذى يدافع عن الحكومة بكل ما أوتى من قوة، والذى يعد دليلاً لا يخطئ على وجود خلل بنيوى فى تصور النواب للأدوار المنوطة بهم. إنه أمر يثير العجب والتعجب أن نجد مجلس النواب ينظر إلى الحكومة المصرية، وكأنها حكومة دولة صديقة عليه ألا يتدخل فى شئونها!.

بيان المجلس أيضاً يطرح قضية «مقتل ريجينى» بصورة مثيرة للرثاء، إذ يدين تلويح التقرير الأوروبى بها، ويجد فى ذلك استباقاً لنتائج التحقيقات القادرة على كشف الظروف والملابسات المحيطة بالحادث. ويتناسى كتبة البيان أن الداخلية لم تعلن حتى الآن، وبعد مضى أكثر من شهر نتائج التحقيقات، أو المعلومات التى توصلت إليها فى هذا السياق، فى حين أشارت تقارير الطب الشرعى، التى تم الكشف عنها إلى أن «ريجينى» قُتل نتيجة تعذيب ممنهج لا تستطيع القيام به سوى أجهزة احترافية. ربما كان هذا الكلام غير حقيقى، ويكون حادث مقتل «ريجينى» جنائياً، لكن الوزارة لم تقدم ما يثبت ذلك!.

فى كل الأحوال واقعة مقتل «ريجينى» وغيرها وقائع حقيقية، وهناك من يخضع للحبس أو الاحتجاز وهو برىء، رئيس الجمهورية نفسه قال إنه ربما كان هناك بعض الأبرياء خلف القضبان، وقال أيضاً أن ثمة حوادث وقعت أضرت بمصر، من بينها سقوط الطائرة الروسية، ومصرع «ريجينى». الواقعة حقيقية وليست ملفقة، الملفق حقيقةً هو ذلك البيان الساذج، الذى صدر عن مجلس نواب يفترض فيه مساءلة الحكومة، وليس تولى مسألة الدفاع عنها، مجلس نواب يعتمد الجعجعة أكثر مما يجتهد فى القيام بأدواره، ويعتبر الحكومة المصرية حكومة دولة صديقة!.