سد النهضة ومجلة «سينس» الدولية (2 - 2)

استمرت المقابلة التليفونية مع مجلة «سينس» الدولية حول تداعيات سد النهضة، حيث سألنى إيريك ستوكستاد، مراسل المجلة، عن الأسباب التى دعت مجموعة حوض النيل إلى تأكيد أنّ المشكلة الرئيسية لسد النهضة تتمثل فى سعته الضخمة والمبالغ فيها (overdesigned).

فأجبته بأنّ السد يقع على النيل الأزرق ذى الفيضان الموسمى، الذى يمتد إلى فترة 4 أشهر بتصرفات عالية، ثم ينخفض تدفُّق النهر بشكل كبير خلال الأربعة أشهر التالية، ثم يقترب تصرُّف النهر من الجفاف فى بقية العام. وأنّ توليد الطاقة من السدود يتناسب طردياً مع كمية تدفُّق المياه خلال توربينات السد، وكذلك مع عمق المياه المخزّنة أمام السد.

وتبلغ سعة سد النهضة مرة ونصف المرة متوسط التدفق السنوى للنيل الأزرق، مما يُحد من فترات امتلائه الكامل بالمياه، لفترة لا تزيد على شهر أو شهرين فى السنة، وكذلك تصرفاته من المياه خلال التوربينات لن تصل إلى كمياتها القصوى إلا فى أثناء أشهر معدودات من العام. والنتيجة الإجمالية أنّ كفاءته فى توليد الكهرباء لن تتعدى 26%، مقارنة مثلاً بكفاءة 60% للسد العالى، وما لذلك من تداعيات سلبية على الاقتصاد الإثيوبى. فالكهرباء سيتم استخدام جزء منها فى الاستهلاك المحلى وبسعر مدعم، والباقى سيتم تصديره إلى السودان بسعر منخفض نسبياً. ومن المتوقع أن يكون عائد مبيعات كهرباء السد فى حدود 600 - 750 مليون دولار، بينما إثيوبيا كانت تأمل فى بيع الكهرباء بنحو مليار دولار سنوياً.

وهذا الإيراد المنخفض لبيع الكهرباء سيُغطى تكاليف الصيانة والتشغيل، والباقى فى الأغلب لن يكفى لسداد قروض السد وخطوط الضغط العالى. وملء سد النهضة بهذه السعة الضخمة سوف يؤدى إلى تفريغ معظم المخزون المائى الحالى للسد العالى، الذى تعتمد عليه مصر فى التغلب على عجز إيراد النهر فى سنوات الجفاف، وفى توليد الكهرباء، مما يزيد من مخاطر تعرُّض مصر لمجاعات أثناء سنوات الجفاف، وكذلك يؤدى إلى نقص كبير فى إنتاج كهرباء السد.

وذكرت للسيد ستوكستاد أنّ هناك تجمعاً لعدة مكاتب استشارية (Consortium) نرويجية تعمل لحساب الحكومة الإثيوبية قامت بدراسة جدوى السدود الأربعة الكبرى المقترحة على النيل الأزرق، ومكلفة بالتصميمات التفصيلية لسد مندايا الذى يقع جنوب شرق سد النهضة. وفى عام 2011 اضطرت هذه المجموعة الاستشارية لتعديل مخطط السدود الإثيوبية الأربعة نتيجة للزيادة المفاجأة التى حدثت لسعة سد النهضة من 14.5 إلى 74 مليار متر مكعب بعد ثورة يناير المصرية. وأعدّت هذه المجموعة الاستشارية تقريرا فى يوليو 2011، عرضت فيه بديلين فنيين لتجنب تداعيات السعة الضخمة لسد النهضة على مخطط السدود الكبرى الأخرى. وكان البديل الأول يوصى بتقليل ارتفاع سد النهضة من 145 متر إلى 120 مترا فقط، والبديل الثانى هو الاحتفاظ بالسعة الكبيرة لسد النهضة مع ترحيل سد مندايا حوالى 9 كيلومترات بعيدا عن موقعه الأصلى مع إلغاء سداً مقترحاً أخر على أحد فروع النيل الأزرق (نهر ديديسّا).

وقامت هذه المجموعة الاستشارية باعداد مقارنة اقتصادية بين البديلين، ووجدت أن البديل الأول هو الأفضل لإثيوبيا ويعظّم إجمالى الطاقة المنتجة من السدود المقترحة على النيل الأزرق.

وقد وجدت المجموعة الاستشارية النرويجية أنّ متوسط إنتاج الكهرباء السنوى لسد النهضة بسعته الكبيرة لن تزيد على 15000 جيجاوات، بينما فى حالة تقليل سعة السد إلى النصف فإنه يستطيع توليد 12600 جيجاوات فى السنة (85% من إنتاج السد بكامل سعته)، مع الاحتفاظ بسد مندايا، وكذلك سد ديديسّا.

وسألنى السيد إيريك عن أسباب اهتمام مجموعة حوض النيل بتداعيات انهيار سد النهضة، وما الدراسات التى ارتكزت عليها المجموعة فى تقدير هذه التداعيات على دولتى المصب؟ فذكرت له أنّ تقرير اللجنة الثلاثية الدولية الصادر فى 31 مايو 2013 والمعتمد من قبَل مصر والسودان وإثيوبيا نص على أنّ التصميم الإنشائى للسد الخرسانى لا يتناسب مع طبيعة الأرض الصخرية لموقع السد، وأنّه معرّض للانزلاق والانهيار. وأضاف التقرير أنّ الجانب الإثيوبى لم يوفر للجنة أى تصميمات إنشائية للسد الركامى الجانبى (Saddle Dam). وأشرت أيضاً إلى الندوة العلمية التى نظمتها جامعة إم آى تى الأمريكية فى نوفمبر 2014، ونبّهت إلى المخاطر الإنشائية التى قد يتعرّض لها السد الركامى. والخلاصة أنّ هناك احتمالاً لانهيار السدين أو أحدهما بشهادات دولية ومن علماء مرموقين. أمّا بخصوص تقديرات مجموعة حوض النيل لتداعيات انهيار سد النهضة على دولتى المصب، فهى مرتكزة على رسالة دكتوراه من «هندسة القاهرة» عام 2015 لصاحبها الدكتور أحمد سليمان، التى انتهت إلى أنّ انهيار سد النهضة سيؤدى إلى انهيار سدى الروصيرص وسنّار على النيل الأزرق فى السودان وغرق مدينة الخرطوم بموجة فيضان عاتية، يصل ارتفاعها إلى أكثر من عشرة أمتار، ثم تنطلق الموجة الفيضانية إلى شمال السودان لتُحطّم سد مروى، وقد تُسبب انهيار السد العالى وخزان أسوان، مما يُسبب فقدان أرواح ملايين من البشر وإحداث خسائر مادية بعيدة عن الحسبان.

واختتم السيد إيريك المقابلة التليفونية بسؤال عن مرئياتى الشخصية حول مستقبل المباحثات الثلاثية الحالية، فذكرت له أنّ اللجنة الثلاثية على وشك توقيع عقد دراسات تداعيات سد النهضة مع شركتين فرنسيتين، لكننى غير متفائل بالوصول إلى حل يُرضى الأطراف الثلاثة.

فسألنى عن أسباب تشاؤمى، فقلت له إنّنى أنتظر حدوث مشكلات جمّة بين الدول الثلاث حول هذه الدراسات وأنّها لن تنتهى قبل سنوات يكون السد خلالها قد انتهى معظم إنشاءاته، ولن تجدى هذه الدراسات. وأضفت أنّ أهم النقاط الخلافية عدم وجود مرجعية متفق عليها بين الدول الثلاث لتقييم أضرار سد النهضة، مما يزيد الأمور تعقيداً فى التفاوض. وانتهى الحوار مع مراسل مجلة «سينس»، وبعد كل هذه الشروحات كان مقاله المنشور فى 26 فبراير 2016 مختلفاً عن توقعاتى، لكنه كان جيداً، وطرح فيه مرئيات الدول الثلاث معاً.