ورطة «حماس» فى نفيها

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

هل يكفى أن تنفى حركة حماس صفعة وزارة الداخلية فى مؤتمرها الصحفى، عندما اتهمت الحركة بشكل مباشر بتورطها فى اغتيال النائب العام هشام بركات؟ اتهام جهة أمنية مسئولة وبهذه الثقة هى المرة الأولى التى تخرج بشكل حازم إلى العلن، مصحوبة بأدلة على رأسها اعتراف المتهمين أنفسهم، بعد التحقيق معهم وكشفهم عن تلقى التدريبات فى معسكرات كتائب القسام فى غزة والتحضير للعمليات الإرهابية والتأهيل النفسى على يد «أبوعمر» ضابط مخابرات تابع لحماس استعداداً للقيام بعمليات نوعية تثير الفوضى فى البلاد!

من الطبيعى أن تسارع حماس إلى النفى والإدانة، وهى التى عقدت آمالاً عريضة على تحسين العلاقة المتوترة مع نظام الحكم منذ سقوط الإخوان، وقد بدأت العلاقة تسترد عافيتها مع تكثيف اللقاءات بين وفود حماس والمسئولين الأمنيين، كان آخرها لقاء خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى، برئيس جهاز المخابرات المصرية، التى وصفت بأنها فتحت كوة أمل على طريق انفراج العلاقة الفاترة منذ نحو ثلاثة أعوام.

لا يعفى استنكار وإدانة الحركة لهذا الاتهام خروجها من دائرة الشبهات التى تحيط بها من حين لآخر، خاصة أن اسم حماس زج فى عمليات كثيرة يتم ضبط المتورطين فيها، ومن ثم فإن نفيها أن تكون متورطة فى عملية الاغتيال ليس له ظل من الحقيقة لم يعد يقنع أجهزة الأمن، رغم أنها أبدت استعدادها الكامل لتشكيل لجنة أمنية مشتركة مع أجهزة الأمن المصرية لدراسة ملابسات الحادث، ورغم أن حماس كانت فى كل اتهام يوجه لها تبادر بالنفى وهو أمر طبيعى، وتطالب أجهزة الأمن بالكشف عن الأسماء المتورطة لكنها لا تتلقى ردوداً واضحة، إلا أن هذه المرة كان إعلان تفاصيل العملية وبالأسماء بمثابة الصدمة، ولن تفيدها بيانات النفى والاستنكار والتشكيك، إذ لم تكن تلك الأسماء التى ذكرت فى التحقيق واعترافاتهم التفصيلية من وحى الخيال، وإن كانوا قد دخلوا غزة وتلقوا التدريبات بدون علمها، وهذا احتمال ضعيف، فهذا يعنى أن هناك اتجاهات داخل الحركة تتقاطع فى الأهداف والتنسيق الداخلى معها وهو أمر مستبعد أيضاً، فالمعروف عن الحركة تنظيمها الشديد وإحكامها السيطرة على كل شاردة وواردة فى تصرفات عناصرها!

لكن هناك أسئلة تحتاج إلى إجابات، وزارة الداخلية أعلنت فى فبراير الماضى أن أجهزة الأمن قامت بعملية تصفية لمن تورطوا فى اغتيال النائب العام، ففى 4 فبراير الماضى نشرت صحيفة الأخبار خبراً بعنوان أن أجهزة الأمن نجحت فى تصفية الإرهابيين قتلة النائب العام هشام بركات بحدائق المعادى وتم ضبط متفجرات وأسلحة كانت معدة لارتكاب عمليات إرهابية خلال الفترة المقبلة أصيب فيها عدد من ضباط مكافحة الإرهاب الدولى، وأن الإرهابيين الذين تمت تصفيتهم فى هذا التوقيت هم من وراء اغتيال النائب العام السابق وتفجير القنصلية الإيطالية بالقاهرة، وأنهم كانوا يجهزون لعملية إرهابية كبرى بوسط القاهرة!! فأين تكمن الحقيقة؟

إن صحت معلومات وزارة الداخلية التى أعلنتها فى مؤتمر صحفى، فماذا عن تصريحاتها السابقة؟ وما ملابساتها؟! وفى المقابل إن صح نفى الحركة للاتهام فكيف تستطيع إثباته؟ وإلى أى مدى يمكن الاستمرار فى الاتهامات المتبادلة التى لن يكون ضحيتها سوى المواطن الفلسطينى الذى وضعه حظه العاثر وسط هذه الصراعات، فلم تجلب له سوى المزيد من الحصار وانعدام الأفق وفقدان الأمل، حتى إن ظاهرة الانتحار فى أوساط الشباب بدأت تستفحل فى المجتمع الغزى، وهى ثقافة دخيلة جديدة على تفكير وسيكولوجية الشباب الفلسطينى، وتدعو للاهتمام والالتفات إليها جدياً، تلك الظاهرة إن عبرت عن شىء فإنما تعبر عن مدى اليأس والإحباط اللذين نالا من الشباب الفلسطينى على كافة المستويات، والأهم يقينهم بانعدام الأفق السياسى واستحالة الحلول فى ضوء الصراع القائم.

حماس التى تعد مذكرة لإظهار الحقيقة وبراءتها من اغتيال بركات، مطالبة بإثبات ذلك بأدلة تقنع أجهزة الأمن والإعلام والشعب، ربما تستطيع التخفيف من تصاعد حدة الاحتقان ضدها وأخذ الشعب الفلسطينى بجريرتها.