في أسبوعها "الأول".. "الهدنة السورية" تحقق انخفاضا حادا في أعمال العنف

كتب: أ.ب

في أسبوعها "الأول".. "الهدنة السورية" تحقق انخفاضا حادا في أعمال العنف

في أسبوعها "الأول".. "الهدنة السورية" تحقق انخفاضا حادا في أعمال العنف

صمد وقف إطلاق النار "الهش" في سوريا، الذي توسطت فيه موسكو وواشنطن، في أسبوعه الأول، ما فاق توقعات المتشككين، ووفر بعض الأمل في أن حلا سياسيا للحرب الدائرة منذ 5 أعوام بات ممكنا.

لكن الحوادث اليومية من قصف مدفعي إلى غارات جوية واشتباكات، قد تسقط مفهوم "وقف الأعمال العدائية"، لتوصف الهدنة بأنها مجرد خدعة، لكن الهدنة الجزئية التي دخلت حيز التنفيذ السبت الماضي، خفضت إلى حد كبير العنف بشكل عام في جميع أنحاء البلاد المدمر، في إنجاز ملحوظ في حرب قتلت أكثر من ربع مليون شخص، وهجرت نصف سكان البلاد، وأهلكت الزرع والحرث في قرى ومدن سوريا، ولأن وقف إطلاق النار استثنى المناطق التي تسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي و"جبهة النصرة"، فإن استمرار أعمال العنف لا يعد خرقا للهدنة من الناحية التقنية.

والكثير يعتمد الآن على أن محادثات السلام، كانت ستستأنف بالفعل الأربعاء المقبل، وتحقق تقدما، وأيضا على تصميم الروس والأمريكيين، على الحيلولة دون استئناف القتال على نطاق كامل.

فيما يلي بعض معطيات الأسبوع المنصرم:

- الخروقات والخسائر -:

شهدت الساعات الأولى من وقف إطلاق النار، انخفاضا حادا في العمليات العسكرية، مع إفادة سكان محليين بحلول هدوء غريب لم يشهدوه من أعوام، فالطائرات الروسية سكنت في القاعدة الجوية، وخلت السماء من المروحيات السورية المرعبة التي تسقط براميلها المتفجرة على المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، لكن الشكاوى من الانتهاكات تصاعدت في الأيام القليلة الماضية، ومن بين ذلك تقارير عن شن الطائرات الروسية والسورية غارات على أهداف للمتمردين، بعيدة تماما عن مواقع تنظيم "داعش" الإرهابي و"جبهة النصرة".

وأفادت الحكومية الروسية أول أمس الخميس، بأنها سجلت 66 انتهاكا للهدنة من قبل قوات المعارضة، منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ في 27 فبراير، إما بالقصف المدفعي على المناطق السكنية أو على المواقع الحكومية، والمعارضة السورية بالمقابل، أفادت بوقوع أكثر من 170 خرقا، جميعها في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، والأسباب نادرا ما تكون واضحة، فبعض الحالات بدت وكأنها مبادرات محلية فردية، أو ديناميكيات خاصة بساحة المعركة لا يمكن التحكم فيها مركزيا.

يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن العنف انخفض بنسبة 90%، ووثق المرصد مقتل 118 شخصا في المناطق التي تخضع لوقف إطلاق النار في الأيام الخمسة الأولى من الهدنة، في انخفاض حاد عن عدد القتلى قبل الهدنة، وأمس الجمعة، أفاد المرصد بمقتل 12 شخصا أول أمس الخميس، في أدنى حصيلة للقتلى منذ 13 شهرا، ووصف رامي عبدالرحمن مدير المرصد، الانتهاكات مثل "موجات صغيرة تهز القارب لكنها ليس بالقوة الكافية لقلبه."

- إيصال المساعدات -:

حتى الآن فشل وقف إطلاق النار في تحقيق أحد أهم أهدافه، وهو تسهيل وصول إمدادات المساعدات التي تشتد الحاجة إليها للمناطق المحاصرة في سوريا.

وقالت هنريتا ماك ميكينج من حملة سوريا، وهي جماعة موالية للمعارضة: "ربما يلقى عدد أقل من السوريين حتفهم في هجمات بالقنابل، لكنهم ما زالوا يواجهون مجاعة"، والإثنين الماضي، أعلنت الأمم المتحدة، عزمها توصيل مساعدات لنحو 154 ألف سوري على مدار الأيام الخمسة التالية في سوريا، إلا أن القليل فقط من تلك المساعدات سلم بالفعل حتى الآن.

وخلال الأيام الأخيرة، حذر مستشار مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا للمساعدات الإنسانية يان إيجلاند، من أن الشحنات واجهتها مشكلات لوجستية، وكان مسؤولون أمميون أشاروا إلى نقص في عدد الشاحنات، إضافة إلى صعوبات في الحصول على موافقات من مسؤولين حكوميين سوريين، كانوا في بعض الأحيان ينزلون الإمدادات الطبية من قوافل المساعدات.

وقال إيجلاند إن مسؤولي الأمم المتحدة، تلقوا إشارات بأن نظام الحصول على التصاريح سيتم تبسيطه كثيرا، ومن ذلك وضع جدول شهري.

- أزمة اللاجئين -:

يأمل المجتمع الدولي في أن يؤدي استمرار صمود وقف إطلاق النار، إلى تخفيف تدفق اللاجئين على دول الجوار وأوروبا، إلا أن الهدنة يجب أن تستمر لأسابيع إن لم يكن لشهور، لتثبيط عزيمة السكان عن الفرار، وحتى يفكر اللاجئون في العودة لديارهم، وهذا الأسبوع وردت تقارير بأن بعضا من عشرات الآلاف ممن فروا جراء هجمات النظام في فبراير على حلب، والمحاصرين قرب الحدود التركية، عادوا إلى الوطن، إلا أن منظمات الإغاثة قالت إن الآلاف ما زالوا يقضون لياليهم في ملاذات مؤقتة، وسيارات أو حقول مفتوحة.

- الحل السياسي -:

أثبت تطبيق وقف إطلاق النار، اعتماد اللاعبين على الأرض على داعميهم الدوليين، وكانت إدارة أوباما جعلت محور سياستها خارطة طريق تبناها مجلس الأمن الدولي، لتوضيح عملية انتقالية سياسية لسوريا على مدار 18 شهرا، وهي تعمل مع روسيا، وتعتمد عليها للمساعدة في النهاية على إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي.

ومع تنظيم الولايات المتحدة وروسيا لهدنة وقف إطلاق النار، والمساعدة على نجاحها، يبدو أن الأطراف المتنازعة على الأرض لا تملك خيارا سوى الامتثال، على الأقل في البداية، ما يخلق أملا في مفاوضات سياسية جادة بين الحكومة والمعارضة، ومن المقرر أن تستأنف المحادثات بالوكالة بوساطة من الأمم المتحدة في جنيف الأربعاء المقبل.

وإذا استمرت، يمكن لهدنة وقف إطلاق النار أيضا، أن تركز وتكثف القتال ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي شرقي البلاد.

- التوقعات -:

اتفقت جوانب الصراع على وقف إطلاق نار مبدئي يستمر أسبوعان، على أمل تمديده في حال نجاحه، وليس هناك سيناريو واضح لما سيحدث بعده إذا لم يتم مده رسميا، أما الخروقات وقلة وصول المساعدات فتعقد الأمر، كما تعقدها مزاعم أن روسيا والحكومة السورية تستمران في عملياتهما الجوية ضد مقاتلي المعارضة التقليديين بحجة قتال "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" الإرهابي.

كما أن هناك مشكلة أخرى، تتمثل في غياب المراقبين المحايدين أصحاب المصداقية على الأرض لمراقبة وتحديد الانتهاكات، وليست هناك ردود أفعال واضحة يمكن اتخاذها في حال وقوع انتهاكات.

وسيكون محرجا لكلا الجانبين، استئناف المستوى السابق من الهجمات، لكن إذا زادت الانتهاكات ولم تصل المحادثات لنتيجة، يمكن أن ينهار الجهد تدريجيا، ويمكن عندئذ أن تؤجج السعودية وتركيا النيران أكثر، من خلال قرار تسليح مقاتلي المعارضة بأسلحة أشد فتكا للاستمرار في القتال، ومن ثم، ربما ستكون الحكومة السورية أكثر حرصا على استكمال جهودها في محاصرة الأجزاء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة من حلب، وتحقيق المزيد من التقدم شمالا وحول دمشق.


مواضيع متعلقة