زيارات الرئيس الخارجية

تتغير ملامح خريطة العالم، بعضها يعاد تقسيمه جغرافياً، وبعضها يعاد تشكيله سياسياً، وكثير منها يعاد ترسيم أوضاعه اجتماعياً واقتصادياً.

فى أجواء مثل هذه كان طبيعياً جداً أن تتحرك الدولة المصرية لكى تعيد ترسيم وضعها على الخريطة وفق رؤيتها هى، ومصالحها العليا، تحدد اتجاهاتها، وتنوع مصادر علاقتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

تحركات الرئيس السيسى فيما يخص ملف العلاقات والزيارات الدولية ربما تفسر لك الرغبة المصرية فى إعادة ترسيم وجودها على الخريطة، وتحركات الرئيس فى الملف الدولى تمت على مرحلتين، الأولى هى الزيارات التى قام بها الرئيس لانتزاع اعتراف العالم بشرعية 30 يونيو، وكانت جولات سريعة حاسمة فى مواجهة أكاذيب الإخوان وفى انتزاع اعتراف دول العالم بأن 30 يونيو كانت ثورة شعبية.

اليوم يطرق الرئيس أبواباً جديدة، بعدما أعاد مصر للوجود فى مناطق من خريطة العالم كنا قد غفلنا عنها أو لم نعرف لها من قبل طريقاً، الرئيس بدأ زيارته الأخيرة فى القارة الآسيوية بزيارة كازاخستان ثم انتقل إلى المرحلة الثانية فى الجولة وهى اليابان فى زيارة من المتوقع أن تشمل توقيع عدد كبير من الاتفاقيات أهمها على الإطلاق التعاون فى مجال التعليم، ومن اليابان سينتقل الرئيس إلى كوريا الجنوبية، فى زيارة من المتوقع أن تشهد تعاوناً مختلفاً على المستوى الصناعى والتجارى.

فى زيارات الرئيس الأخيرة نسمع عن دول ربما للمرة الأولى نسمع أسماءها فى ملف سياستنا الخارجية، دول يخطئ الإعلام المصرى فى نطق أسماء رؤسائها وأسمائها شخصياً، ويفشل فى تحديد مكانها على الخريطة، والسبب فى ذلك أن السياسة الخارجية المصرية ظلت لسنوات طويلة محبوسة ومحصورة فى زيارة الحج السنوى التى كان يقوم بها الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك لواشنطن فى شهر مايو من كل سنة، حينما كان يلتقى الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن فى مزرعته بولاية تكساس، فى لقاءات عُرفت وقتها بتجديد الاتفاق السنوى على سياساتهما المشتركة.

فى تلك الفترة المباركية أصيبت السياسية الخارجية المصرية بعطب ما، تعطلت البوصلة وغفلنا عن أفريقيا وآسيا، وتوترت علاقتنا ببعض الدول الأوروبية ولم نعد ننظر فى اتجاه روسيا والصين، وأصبحنا كالمسحورين، لا ترى أعيننا سوى كعبة البيت الأبيض فى واشنطن، لذا لا بد من الاعتراف بأن الجهد الرئاسى المبذول فى إعادة ترسيم علاقات مصر الدولية يستحق الكثير من التأمل، الآن مصر فى روسيا والصين بعلاقات مميزة على المستوى السياسى والاقتصادى والعسكرى، مصر الآن ترتبط بعلاقات تجارية واقتصادية مميزة مع ألمانيا، وأعادت صياغة شكل علاقة متينة مع فرنسا، وتحافظ على مسافة من التفاهم مع بريطانيا، وفى نفس الوقت أعادت لم شمل المنطقة العربية بمنطق جديد لمواجهة موجة الإرهاب، وعادت مصر مرة أخرى تنظر نحو الجزائر، ووضعت قدمها مجدداً فى أفريقيا بجولات خاضها الرئيس فى إثيوبيا وأوغندا وجنوب أفريقيا.

مصر فى هذه الرحلة نجحت فى الاتفاق مع كازاخستان وهى دولة قريبة من روسيا بأن تفتح خطوط طيران مباشرة إلى شرم الشيخ لإنقاذ هذه المدينة التى تعانى من غياب السياحة، وفى اليابان سيلتقى الرئيس حوالى 300 رجل أعمال يابانى لتوقيع عدد من الاتفاقيات والمشاريع الاستثمارية، بالإضافة إلى الاتفاقية الأهم المتعلقة بالتعليم، وفى رحلة كوريا الجنوبية تستهدف مصر التواصل العلمى والصناعى.

هذه التحركات بين أفريقيا وآسيا وأوروبا لن نربح من ورائها اتفاقيات أو تعاوناً اقتصادياً فقط، بل هى تمد جسور التعاون مع دولة لتقطع الطريق على خصومك ومنافسيك الإقليميين، والأهم أن هذه التحركات دليل جديد على أن مصر الآن تسعى خلف كل فرصة تصب فى مصلحتها وفقط، لا تدور فى فلك قطب دولى واحد، بل تدور فى فلك مصلحتها.