- المكان: مكتب رئيس مجلس إدارة إحدى شركات البترول الحكومية فى منطقة مُسطرد.
- الزمان: مارس (٢٠٠٩).
- الحضور: رئيس مجلس إدارة الشركة والكاتب الصحفى عثمان علام وأنا.
- الحدث: إجراء حوار صحفى بمناسبة قيام الحكومة برفع أسعار المواد البترولية «بنزين وسولار وأنابيب».
- الصدمة: قال لنا رئيس الشركة كلمات ما زلنا نتذكرها أنا والزميل عثمان علام، كلمات قوية ما زالت تُعبر عن الوضع العالمى الحالى.
- ماذا قال رئيس الشركة؟ قال: (الحكومة غلبانة ومغلوب على أمرها وربنا مش هيسامحها على كل ما تقترفه فى حق الوطن من كوارث، ومن وجهة نظرى أن الاستمرار فى دعم البنزين خطأ كبير وأخطر كارثة ترتكبها الحكومة، لا توجد حكومة فى العالم تدفع أموالاً لدعم البنزين للمواطنين لتعويض فارق السعر بين تكلفة سعر الإنتاج وتكلفة سعر البيع، الحكومة تتحمل ما لا طاقة لها به، وهذا الدعم سيكسر ظهر الموازنة العامة للدولة فيما بعد لأنه يتراكم مع مرور الوقت وسيكون عبئاً على الأجيال القادمة، وأرجوكم تذكروا كلماتى فيما بعد).
- رد الزميل عثمان علام: إن المواطنين يعانون من كثرة الزيادات فى أسعار المواد البترولية، ولا بد من عدم إقدام الحكومة على رفع أسعارها، ولازم الحكومة تقدم دعم للمواطنين الغلابة.
- قُلت: هذا واجب على الحكومة، لأن المواطنين ينظرون لها على أنها «بابا وماما»، هى من تفعل كل شىء للمواطنين، وتُقدم لهم الخدمات، وتُسهل الحياة على مواطنيها.
- رد رئيس الشركة كان غريباً جداً وأعطانا درساً لم ننسه حتى الآن، وقام بالاتصال بالتليفون الداخلى لمدير مكتبه، وقال له بصوت أجش: احضر لى إزازة «مياه معدنية» بسرعة.. ثوانٍ ودخل مدير مكتبه وفى يده «إزازة مياه معدنية».. أخذها منه.
وظل ينظر لها لثوانٍ معدودة حتى خرج مدير مكتبه وأصبحنا نحن الثلاثة فقط موجودين بالمكتب.. ظل ينظر إليها ويتمعن فيها ويُقلبها عدة مرات وفاجأنا بالقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، هذه الإزازة بها لتر مياه معدنية وأغلى من لتر البنزين، البنزين الذى تتصارع عليه الدول العظمى ويدخلون فى حروب بسببه، البنزين الذى يُطيح بحكومات ووزارات ومسئولين كبار لو ارتفع سعره عالمياً، البنزين الذى تتحرك من أجل تأمين منابعه البواخر وحاملات الطائرات، البنزين الذى قامت الدول الكبرى بتأجير قواعد عسكرية ودفعت فيها مليارات الدولارات وتضم رادارات و«دفاع جوى» وطائرات لكى تقوم بحماية الملاحة الدولية لكى تسير شاحنات البترول فى سلام وتنتقل من الشرق للغرب دون عوائق.
هذا البنزين تبيعه الحكومة للمواطنين بسعر بخس لا يصل لـ«رُبع» سعر اكتشافه وإنتاجه وتكريره وتوصيله للمواطنين فى محطات البنزين، إننى أرى أن هذه جريمة كبرى فى حق الوطن، لأن كُبرى الدول المُنتجة للبترول تبيعه لمواطنيها بالسعر العالمى، وكُبرى الدول التى لديها أعلى احتياطيات بترولية فى العالم تبيعه لمواطنيها بالسعر العالمى، لا تندهشوا من كلامى فمن أجل البترول تنطلق المدافع وتتحرك الجيوش وتُعلن الحروب ويتم احتلال دول، فالصراع الذى تشهده المنطقة العربية الآن هدفه السيطرة على بترول المنطقة).
تذكرت هذا اللقاء -بكل تفاصيله- الذى مر عليه ١٥ عاماً بعد أن قرأت إحصائية رسمية -نشرتها أكبر وكالة أنباء اقتصادية أمريكية- تقول: إن مضيق هُرمز يمر من خلاله ٢١ مليون برميل بترول يومياً، بمُعدل 20٪ من حجم البترول عالمياً، ولو قامت «إيران» -أو أى ميليشيات تابعة لها- بتهديد الملاحة فى مضيق هرمز وأعاقت الملاحة به سيرتفع سعر البرميل من ٨٤ دولاراً إلى ١٢٠ دولاراً، وهو ما لا تقبله أمريكا؛ لأن محددات أمنها القومى ترتبط بتسهيل حركة نقل البترول من دول الخليج إليها، وقتها ستنشب حرب حقيقية لا تبقى ولا تذر.