دُعيت فى الأسبوع الماضى لحضور مسرحية حارة السنَّان، وقبلت الدعوة على الفور، خصوصاً أن الفنان الجميل المهذب مجدى فكرى هو الذى يقوم بدور البطولة، مع كل من الفنانين العظام: مونيا وعايدة غنيم والشاب الطموح صاحب الصوت الجميل محمد الخولى، وعصام الشويخ فى دور الأخ الفتوة المسيطر على عائلته بعد وفاة الوالد، والفنان محمد عنتر، الذى جسَّد بشكله وحجمه وفنه دور الخواجة النهم المخرب تجسيداً بارزاً، حتى لو كان على حساب الشرف أحياناً، ولو ضحى بالزوجة (مونيا) للروميو عادل زهدى (السنَّان).
المسرحية من تأليف وأغانى الفنان سامح سليم، وإخراج الأستاذ الفنان الإعلامى البارز حسن سعد، وفيها قيم عديدة، وتعالج عدة أمراض منتشرة، بصورة أو بأخرى، فى مجتمعاتنا.
فضلاً عن الاستعراضات الثمانية الجميلة التى تشمل الفرز الثالث والأوكازيون، وهس هس، داخل الميدان، الذى يأخذنا بتصميمه البديع إلى أجمل أحياء مصر القديمة أو الفاطمية، حيث تشاهد فى الميدان قهوة الفيشاوى، وعطارة السعادة، والمحلات العديدة، ومنها محل الأسماك والمولات أى الأسواق، ومكتب السجل المصرى وقسم الشرطة. وأتساءل هل كانت المولات معروفة تاريخياً بهذا الاسم -كما هى فى هذا العصر الحديث- أم معروفة بالأسواق أو السويقة؟
أعجبنى كثيراً العرض، رغم فقر المشاهدين فى تلك الليلة لاعتبارات مناخية، كما سعدت بالأغانى التى غناها الفنان مجدى فكرى، والفنان الشاب محمد الخولى، ومنها: ويا مصر وإن خيرونى ما أسكن إلاكى.
ولأجل تتبسمى.. يا ما بـأبات باكى.
تسقينى كأس المرار.. وبرضه بأهواكى.
بلدى ومالى إلا انتى ولو ظلمتينى.
مقبولة منك جراح قلبى ودموع عينى.
الجرح يشفى إذا بإيدك لمستينى.
كلك حلاوة.. وكلمة مصر.. أحلاكى.
تذكرت وأنا أسمع هذه الأغنية أن بعضهم من المتشددين فى الدين، أو العلمانية، يظلم الآخرين ويكذب على الآخرين، وأنا متأكد أن بعضهم، لو كانت عنده الفرصة، لفضَّل العيش فى أى مكان آخر بدلاً من مصر، هرباً من التحديات ومن المنغصات اليومية فى مصر، ومنها الازدحام وأخلاق النقل والمواصلات. طلبنى بعض الأصحاب، وكانت لهم نصائح عديدة، منها الرد على بعض المتشددين، ومنها عدم المشاركة فى برامج تلفازية أو الكتابة فى موضوع الفتنة المذهبية والطائفية التى زادت السياسة فى تشويهها.
قلت لهم ما قاله الشاعر الجميل:
«والصمَّتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفُ ** وفيه أيضاً لصونِ العرضِ إصلاحُ».
أما موضوع المسرحية فهو موضوع حيوى، إذ تستعرض المسرحية الهوية المصرية، حين تتعرض للخطر والتفتت، بفعل التدخلات الغربية والاستعمارية، وقابلية الاستعمار عند بعضهم، حينئذ لا يجد الفقراء والبسطاء غير مواجهة الخطر أمام التمزيق والتفتيت. فحارة السنَّان هى مثال حى للحارة الشعبية المصرية أعطاها مؤلفها عطر الشعبية، وروحها المتمثلة فى فئاتها الاجتماعية مختلفة الأعمار، فشباب الحارة، فؤاد وعاشور وحبيبة، هم شخصيات مقهورة إما اجتماعياً أو اقتصادياً، يحمل عنهم الوعى الوطنى الكثير من الآلام، ويخفف عنهم بعض التحديات.
فؤاد، صبى القهوة والمثقف والطالب الجامعى، يحاول تحسين ظروف معيشته والزواج من حلم حياته «حبيبة»، التى تقهرها ظروفها الاجتماعية بوفاة أبويها وتعرضها لمضايقات السوق ولجمالها، إذ تصبح هدفاً للاصطياد من قبل السنَّان الرجل الروميو الكبير فى السن، والذى يحاول امتلاك الحارة، ويسيطر عليها تجارياً من خلال المنشأة الاقتصادية، مستغلاً سيطرة عاشور، أخو حبيبة عليها، وسلطة ولايته فى إخضاعها، أما باقى شخصيات الحارة من الجيل الأوسط، وهم طبقة إما مشردة أو بائعة جوالة كالسماك والعطار وبائعة العنب وأم الشهيد وفتاة القمامة. هناك كذلك فى المسرحية الجيل الكبير فيتمثل فى السنَّان ككتلة اقتصادية لا يجابهها إلا الوعى المغيب، والتاريخ المغيب، والمتمثل فى صابر الفيلسوف والحكيم الشعبى. ذلك الفيلسوف من المثقفين المحب لوطنه ومصريته ولأهل الحارة المثقفين، ولكنه المغيب من خلال إدمانه للخمر، وحبه لحلاوتهم المغيبة مَرضياً لمرضها النفسى. تتعرض الحارة لمؤامرة من قبل قوة أجنبية تتمثل فى دافيد وكريستين، وهما من أكبر رجال الأعمال فى أوروبا، واللذان يسعيان لامتلاك الحارة وكنوزها التاريخية والسيطرة على الآثار الموجودة بها لتهريبها، ولكن يقف أهل الحارة موقفاً عظيماً من خلال إيقاظ الوعى الوطنى والتحريض على الثورة، وتغيير الأوضاع داخل الحارة الشعبية.
يشمل العرض عدة استعراضات، منها:
الأوفرتير أرض الميدان، هس هس، من سنين، فرز ثالث، أوكازيون، اضحك، يا ليل، الفينال.
البطولة قام بها كل من: مجدى فكرى، مونيا، عايدة غنيم، محمد الخولى، عصام الشويخ، محمد عنتر، وعاشور الفتوة، أخو حبيبة التى يعشقها الجميع فى المسرحية حتى من كان من الطاعنين فى السن. أما الفنانون الآخرون جميعاً فأدوا أدواراً جميلة، ولا يتسع المقال لذكر أسمائهم.
تحية لجميع الممثلين والممثلات، وقد أجادوا أداء الأدوار حتى الذين جسدوا دور الخواجات والتخريب المتعمد فى البلد، ودور الشرير. مع الاعتذار عن أى خطأ أو نسيان فى حق مسرح متروبول.
والله الموفق