جريمة مروعة بكل المقاييس تلك التى شهدتها منطقة شبرا الخيمة منذ أيام قليلة.. الجريمة تُعد الأولى من نوعها، ويجب ألا تمر مرور الكرام، بل يجب على الإعلام وكل من يهمهم الأمر التوقف أمامها طويلاً ودق ناقوس الخطر للآباء والأمهات للحفاظ على أبنائنا من هذا الخطر القاتل المتربّص بهم داخل الفضاء الإلكترونى..
إنه «الدارك ويب» الذى يُعد كلمة السر فى هذه الجريمة التى راح ضحيتها طفل برىء على يد طفل بتحريض من طفل ثالث! الدافع للجريمة غريب من أجل تصوير فيديو لمشاهد قتل الطفل وانتزاع أعضائه، وبيع هذا الفيديو لمواقع «الدارك ويب».
المثير أن القاتل والقتيل والمحرّض ثلاثة أطفال يبلغون من العمر 15 سنة، احترف أحدهم «المحرض»، الذى يقيم مع أسرته فى الكويت الدخول إلى مواقع الإنترنت السوداء، التى يحدث داخلها ما يشيب من هوله الولدان.. تعرّف من خلال «غُرف الشات» المظلمة على الطفل «القاتل»، الذى يقيم بشبرا الخيمة وأقنعه بأنه سوف يدفع له 5 ملايين جنيه إذا قتل طفلاً وصور مشاهد فيديو عملية القتل وانتزاع الأعضاء وأرسل الفيديو إليه ليقوم ببيعه لمواقع «الدارك ويب» مقابل ملايين الدولارات التى تدفعها بسخاء إدارة تلك المواقع القذرة! أقنعه بالفكرة وخططا للجريمة على مدى أسبوعين عبر الفضاء الإلكترونى فى غيبة من أسرتيهما. قام الطفل المتهم باستدراج أحد الأطفال ونفّذ الجريمة طبقاً للسيناريو المتّفق عليه، وقام بتصوير الفيديو المطلوب وإرساله إلى الكويت!
أجهزة الأمن بوزارة الداخلية تلقت بلاغاً بالعثور على جثة الطفل القتيل، وتمكنت من كشف طلاسم الجريمة، وألقت القبض على الطفل المتهم، الذى اعترف بارتكاب الجريمة بتحريض من طفل مصرى مقيم بالكويت تعرف عليه من خلال الإنترنت.. الاعترافات خطيرة ومثيرة يجب أن نتوقف أمامها من أجل العمل كل فى ما يخصه لمنع تكرارها وتحصين أبنائنا من هذا الخطر الذى يتربّص بهم على شبكة الإنترنت.. الغريب أن الطفل المحرّض كلف المتهم بتكرار الجريمة مع طفل آخر ليحصل على المبلغ المتفق عليه، إلا أنه تم القبض عليه قبل تنفيذ الجريمة الثانية.
وبعد مخاطبة الإنتربول الدولى تم القبض على الطفل المحرّض بالكويت وإعادته مع والده إلى القاهرة، وأدلى باعترافات أكثر إثارة عن ذلك الخطر الحقيقى الذى يتربّص بأطفالنا فى الفضاء الإلكترونى، وبالتحديد من داخل تلك الحجرات السوداء التى تمارس فيها كل الجرائم، مثل بيع المخدرات والأسلحة، والقرصنة الإلكترونية، وبيع الأعضاء والاستغلال الجنسى وتوزيع المحتوى الإرهابى. اعترف بأنه سبق وقام بهذا الفعل مرات سابقة، وتقوم أجهزة الأمن حالياً بالتحقّق من صحتها عن طريق فحص الأجهزة الإلكترونية الخاصة به وبوالده.
الأمر مقلق، ولخطورة القضية سألت الأستاذ الدكتور محمود عبدالعاطى أبوحسوب، أستاذ أمن المعلومات الكمية بجامعة سوهاج والمحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا خبير الأمن السيبرانى، عن كيفية حماية أبنائنا من تلك المواقع المظلمة عند تعاملهم مع شبكة الإنترنت؟
قال إن الفضاء الإلكترونى أو الإنترنت يشبه المحيط، ويقع «الدارك ويب» فى القاع المظلم من ذلك المحيط.. وأضاف أن الأمر جد خطير وعلى الآباء مصادقة أبنائهم، خاصة أن الأجيال الجديدة تنتمى إلى جيل الرقمنة، ويعيشون معظم ساعات يومهم على السوشيال ميديا، وبالتالى لا بد للآباء من بناء جسور الثقة فى التعامل معهم، لمعرفة المشكلات التى يواجهونها. وأكد أن هناك حوادث كثيرة تم خلالها استدراج الأطفال إلى «الدارك ويب» من خلال ألعاب يمارسونها على الإنترنت العادى بإرسال هدايا للأطفال، ويرسلون إليهم روابط تصفّح لدخول مواقع «الدارك ويب».
وأكد أن الإنترنت المظلم (Dark Web) يُعد جزءاً من الإنترنت العميق (Deep Web)، وهو الجزء الذى لا تتم فهرسته بواسطة محركات البحث العادية، مثل «جوجل»، ويتطلب الوصول إليه استخدام برامج خاصة توفر الأمان والخصوصية، الذى يُخفى هوية المستخدمين ومواقعهم الجغرافية ويحتاج إلى برامج خاصة للوصول إليه، ويوفر الإنترنت المظلم مستويات عالية من الخصوصية والأمان، وهو ما يجعله منصة لأنشطة غير قانونية.
يستغل البعض الخصوصية التى يوفّرها الإنترنت المظلم لإجراء أنشطة مثل بيع المخدرات، والأسلحة، والمواد المحظورة، وحتى تبادل المحتوى غير الأخلاقى أو غير القانونى. ويستخدمه المحتالون لإطلاق الهجمات الإلكترونية والفيروسات، ونشر برمجيات الفدية، وأنشطة الاحتيال المختلفة، نظراً لصعوبة تتبّع المستخدمين والأنشطة على الإنترنت المظلم، ويصعب على السلطات التصدى للأنشطة الإجرامية.
ويتم الحماية من الآثار السلبية للإنترنت المظلم عن طريق التوعية والتعليم، ويجب على المستخدمين تعلم كيفية التعرّف على الروابط والمواقع المشبوهة وتجنّب النقر عليها واستخدام برمجيات الأمان بتثبيت وتحديث برمجيات الأمان، مثل جدران الحماية، وبرامج مكافحة الفيروسات، وبرامج مكافحة البرمجيات الخبيثة وينبغى على المستخدمين الذين يقرّرون استكشاف هذه الشبكات أن يكونوا على دراية بالمخاطر واستخدام الأدوات التى توفر الأمان والخصوصية. فى النهاية يمكننا القول إن الإنترنت المظلم يمثل مكاناً للأنشطة غير القانونية والخطيرة ولا توجد أى طريقة غير الوعى والحماية للتنقل الآمن فى هذه البيئة.. فى النهاية أحذر نفسى وأحذركم من هذا الخطر وأطالبكم بتوعية أبنائكم ولا أملك إلا أن أقول لكم: انتبهوا أيها السادة!