منذ 70 عاماً أو يزيد سجل الصحفى المصرى الأشهر محمد حسنين هيكل فى كتابه «إيران فوق بركان» ما حدث فى بلاد فارس إبان ثورة محمد مصدق رئيس الوزراء وتأميمه البترول الإيرانى وتدخل المخابرات الأمريكية والبريطانية لإسقاطه وسجنه وتثبيت حكم الشاه محمد رضا بهلوى.
اليوم ينشط بركان إيران مرة أخرة بعد ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن من الزمان. وما حدث من مناوشات إيرانية تجاه الكيان الصهيونى قد يكون بداية انفجار للبركان الإيرانى وللمنطقة ككل.
إن الحلم الإيرانى بالمجد الفارسى لا يغيب عن بال الدولة الإسلامية، كما أن الأطماع الصهيونية بابتلاع دول المنطقة وثرواتها أمر ليس بخفى، بل إن الكيان الصهيونى ينشر خريطة جغرافية تمتد من النيل للفرات يحلم بالسيطرة عليها ليقيم دولة عظمى. ليس إيران وإسرائيل فحسب وإنما دول أخرى من دول الجوار لها شهية مفتوحة لقضم ما يمكن لها قضمه من ثروات الدول العربية والسيطرة على شعوبها.
اخترع الغرب ما سمى الشرق الأوسط بدلاً من الشرق العربى وحشر معه دولاً أخرى لكى يخدم أطماعه ويلغى هوية المنطقة العربية.
وفى العقود الأخيرة ظهرت مصطلحات جديدة مثل الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير، وهدفها ألا تكون إسرائيل ودول أخرى غريبة أو شاذة ضمن المسمى.
فلطالما كان الشرق الأوسط محط أنظار الدول الكبرى التى تزيد أطماعها فيه يوماً بعد يوم، فثروات المنطقة البترولية هى الأكبر فى العالم، والممرات الملاحية فى أراضيها هى الأهم استراتيجياً، وتوسطها الجغرافى خريطة العالم يضعها فى مكانة لا تقارن.
الآن يدور الصراع فى المنطقة بين قوى متعددة للسيطرة على الإقليم بين الكيان الصهيونى وقوى أخرى. تتفاوت حدة الصراع حسب العلاقات بين تلك الدول والتى ترسمها الدول الكبرى. وكان التشاحن الأخير بين إسرائيل وإيران بمثابة شرارة قد تشعل المنطقة.
إن الحروب تنشب للوصول إلى السلام -هى السياسة بأسلوب آخر.. حسب كلاوفيتز- بعد تحقيق مصالح دول على حساب دول أخرى، لكن إذا لم تحسم الحروب الصراعات فإن السلام يتأخر كثيراً.
وفى العقود الأخيرة زاد طمع الجيران فى الثروات العربية، وزاد من خطورة هذه الأطماع الضعف العربى والفرقة بين الأشقاء، وأدى ذلك إلى زيادة شهية إسرائيل التى ابتكرت الكثير من الخدع، فأقامت علاقات مع دول عربية بلا مقابل تقدمه لصالح الفلسطينيين، وقدمت مع أمريكا خديعة الدين الإبراهيمى وغير ذلك، لكن جاء طوفان الأقصى ليقلب الطاولة ويبعثر الأوراق، ووصلت الأمور فى غزة إلى القاع واستنفدت إسرائيل كل وسائلها لهزيمة المقاومة الفلسطينية ولم تفلح فى تحقيق أى أهداف لها.
إن تكافؤ القوى فى الشرق الأوسط يحتم الحرب، ففى حالة وجود طرف أقوى من الآخر فإنه يستطيع أن يملى عليه إرادته وسوف يضطر الطرف الأضعف للقبول بشروط خصمه، لكن الندية بين عدد من دول الشرق الأوسط ومنها دول عربية مع دول الجوار ومنها إسرائيل أمر سيؤدى حتماً إلى الحرب، سواء كان ذلك عاجلاً أو آجلاً، حتى يتمكن طرف أو مجموعة أطراف من فرض إرادتها على الآخرين، وفى حالة الدول العربية فإن النتيجة إما تكتل عربى يحمى دوله الاثنين وعشرين أو التشرذم والذهاب بلا عودة لصالح الطامعين.
إن فلسطين أرض عربية، وما دار من مناوشات بين إسرائيل وإيران، دار على هذه الأرض العربية، بينما أصحاب الحق لم يمارسوا أى دور.
إن العرب يعيشون مرحلة فاصلة فى تاريخهم، كما أن منطقة الشرق الأوسط على وشك التغير بشكل مؤكد.