مرة أخرى نمنح الأسماء والتواريخ ملمحاً يمدنا بالفخر دون أن ننسى ما اقترن بها من ذكريات مؤلمة، فاسم «بحر البقر» الذى اقترن بمجزرة طائرات الفانتوم الإسرائيلية يوم 8 أبريل 1970 على مدرسة بحر البقر الابتدائية بمحافظة الشرقية، فقتلت وأصابت نحو 80 طفلاً بريئاً، أعدنا تقديمها يوم الاثنين الماضى بافتتاح أكبر محطة معالجة لمياه الصرف فى العالم بطاقة إنتاجية تقدر بنحو 5.6 مليون متر مكعب من المياه يومياً بتكلفة 1.2 مليار دولار. نعم نعيد التذكير بالتاريخ بإنجاز يتحدى الواقع ويعمل على تخليد الذكرى كما حدث حينما أعدنا افتتاح قناة السويس للملاحة يوم 5 يونيو 1975.
وعلى الرغم من أهمية الحدث وتأثيره على مستقبل المصريين والمياه فى بلادى، إلا أن البعض لا يدرك قيمة ما تم إنجازه وربما كرر ذات السؤال المقترن بافتتاح مشروعات التنمية المستدامة، مفاده: وماذا سيستفيد المواطن العادى من مشروع كهذا؟
قبل الإجابة أحيلكم إلى تقرير صحفى نشره البنك الدولى فى أغسطس 2021 وحمل عنوان «البناء على نحو أفضل: قضية المياه واستخلاص الدروس من الماضى»، لتدرك أهمية مشاريع المياه التى تقوم على تنفيذها بلادى منذ العام 2014، بدءاً من محطات تحلية المياه والرى بالتنقيط والزراعة بالصوب وتبطين الترع، انتهاءً بمحطات معالجة الصرف الصحى. حيث ذكر التقرير أهمية تأثير وجود إدارة سليمة للمياه والصرف الصحى بشكل مباشر على صحة المجتمع ورفاهيته، بل تأثيره بالتبعية على مستويات التحصيل الدراسى وإنتاجية العمل بما يؤدى إلى تخفيف حدة الفقر. ناهيك عن التأثير فى مستوى الإنتاج الزراعى للدولة وسلامة البيئة وتوليد الطاقة.
وذكر التقرير أن 60% من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مُعرضون لنقص المياه، فى الوقت الذى تخصص فيه 85% من كميات المياه للزراعة. وقد ينتج عن ذلك هبوط الإنتاج الزراعى بنحو 60% فى بعض البلدان، مما يعنى تراجع الطلب على الأيدى العاملة فى مجال الزراعة بنحو 12%. وهو ما يشير ببساطة إلى علاقة المياه بكل ميادين التنمية. وأكد التقرير أن تسعاً من بين كل عشر كوارث طبيعية فى العالم ذات صلة بالمياه، وهو ما يعرض منظومات الغذاء والطاقة والعمران والبيئة للخطر.
من هنا يمكننا العودة لمحطة بحر البقر لمعالجة مياه الصرف التى أنشئت على أعلى مستوى تكنولوجى فى مجال علاج مشكلات المياه، حيث نجحت فى توفير 40 ألف فرصة عمل فى مختلف المجالات، وتم الانتهاء منها خلال عامين. ليس هذا وحسب، بل إن المصرف الذى يعد من أطول مصارف العالم بطول 217كم من القاهرة الكبرى حتى بحيرة المنزلة، كان يعانى من الإهمال على مدار عقود ماضية تسبب فى الإضرار بالإنسان والبيئة، لذا كانت تلك المحطة التى منحت المصرف فرصة المرور فى ست محافظات جديدة هى بورسعيد وشمال سيناء والإسماعيلية والدقهلية والشرقية والقليوبية. وهو ما سيسهم فى زيادة الرقعة الزراعية بنحو 500 ألف فدان، توفر الأمن الغذائى وتصدر الفائض منه وتوفر فرص عمالة لتلك الأراضى المنزرعة وتقلل الفاقد من نقطة مياه هى كل الحياة.
افتحوا الكراريس.. الدرس ابتدا.