لست من أبناء المحافظة، ولكن لها فى قلبى مكانة، لم أشرف بزيارتها سوى أربع مرات، ولكن دوماً ما يكون التآلف بيننا عند الوصول لها، هكذا هى بورسعيد فى عينى وقلبى، تسير فيها فتشم رائحة التاريخ وترى علاماته على طرقها وفى وجوه أبنائها ولهجتهم وابتسامتهم الصادقة عند اللقاء بك.
يوم الخميس الماضى كان اللقاء فى بورسعيد بعد عامين منذ آخر زيارة لها، بدعوة كريمة من محافظها اللواء عادل الغضبان لإلقاء محاضرة ضمن مبادرة «بالشباب نقدر» فى قاعة الهيئة الاقتصادية لميناء بورسعيد.
دعونى أنقل لكم فى سطور قليلة مشاهد كبيرة أسعدت قلبى بتلك المحافظة التى لها فى تاريخنا وحاضرنا مكانة.
المدينة.. ما هذا الدفء الذى يطغى على شوارعها وطرقاتها فتشعر بالحنين للأهل والوطن وتشكر الله على تطوير لا يمكن تجاهله فى طرقات المدينة. تدرك عيناك إيمان أهلها والقائمين عليها بالجمال فى تنسيق الحدائق ونزع الأسوار عنها وفتحها لجلسات المواطنين. تستشعر الجمال فى ميدان المسلة المصرية، بينما الحمام يحط على المارين بها لالتقاط الغلة، وكذلك الأمر فى حديقة فريال التى تزين قلب بورسعيد. اللواء عادل الغضبان.. سرنى استقباله لى فى مكتبه عند الوصول مقدماً واجب الضيافة لزوم «كورونا» بمشروب الجنزبيل بالليمون، يصطحبنى إلى شرفة مكتبه التاريخية، حيث شهدت خطابات الرئيس جمال عبدالناصر لأهالى بورسعيد المتجمعين أمام مبنى المحافظة للاستماع له ومطالبته باحتياجاتهم. يحكى لى ضاحكاً عن «أبوالعربى»، وهو الاسم الذى يطلقه على كل بورسعيدى، وكيف كان متشككاً فى كل ما يقوم به من تغيير عند تقلده مهام محافظ بورسعيد. ثم يضيف قائلاً: «الحمد لله كنا فين وبقينا فين، الناس ما كانتش مصدقة إن الخير هيطولهم فى بورسعيد، لكن لما شافوا بعيونهم الدنيا اتغيرت. بورسعيد تطبق اليوم نظام التأمين الصحى لكل الفئات، ألحقنا طلبة التعليم الفنى بالعمل فى مصانع المستثمرين مقابل أجر أثناء الدراسة، يزداد بعد التخرج للقضاء على البطالة فى المحافظة، نواجه العشوائية، نحارب الدروس الخصوصية، نعانى من الشائعات ككل مصر لكن نقاومها بمواجهتها».
المواطنون.. الكبار وبعض الصغار منهم يصدقون التغيير ويعرفون ثمنه. خلال المحاضرة ملأتنى مشاركات البعض منهم بإحساس القوة، بأن ما نتحدث عنه ليس وهماً فى خيال المحبين، بل هناك من يشاركنا الرؤية. فتلك أم تضرب مثلاً بابنيها اللذين سافرا للخارج وعادا فوراً لأرض الوطن والتحقا بالعمل فى مؤسسات مصرية فى مجالى البنوك والتعليم بكفاحهما الخالص، وتلك أم فقدت ابنها فى سبيل الوطن وأصبحت أم الشهيد، فتحكى كيف أن بلادنا تتغير بفضل كل من يمنحها العطاء حباً بالعمل والشهادة، وتلك فتاة فى السنة النهائية لكلية التجارة تحارب يأس البطالة حتى من قبل التخرج فتلتحق بالعمل فى حضانة لتربية الأطفال وتصقل مواهبها فى مجال عشقته بالتعلم، وتلك أخرى تحكى عن العمل «أون لاين» فى مجال التصميم وربحها لأضعاف ما كانت تتقاضاه.
لكن كانت هناك نسبة غير قليلة من شباب فاته إدراك الواقع ومعنى الحياة فكان يشتكى الظروف والواسطة والرواتب ليحدثنى عن انتظار السفر لتحقيق الأحلام.. فكان حواراً طويلاً معهم.. ولكن للحديث بقية..