«حاتم» أسلوب حياة

سحر الجعارة

سحر الجعارة

كاتب صحفي

«حاتم» ليس مجرد شخصية درامية فى فيلم «هى فوضى».. حاتم «أسلوب حياة» فرضه النظام الذى يستكمل رواتب رجال الشرطة -من الفرد إلى اللواء- بالنفوذ والسلطة، ولا يسأل: «من أين لك هذا؟» من باب التستر والتواطؤ مع الفساد.

«البدلة الميرى» و«السلاح» تحولا على يد كل «حاتم» إلى أدوات بلطجة، تفرض الإتاوات على المجتمع بطبقاته الفقيرة التى تربت على الخوف من السلطة.. وبطبقاته الثرية إلى اعتادت شراء كل شىء بـ«الرشوة».. حتى أصبح «أمناء الشرطة» دولة داخل الدولة!

نحو 300 ألف أمين شرطة، منهم من درس بمعهد أمناء الشرطة أو تدرج فى الخدمة من فرد إلى أمين شرطة.. وبينهم أكثر من 10 آلاف أمين تم فصله (لأسباب جنائية ومهنية) فى عهد «حبيب العادلى» وعادوا إلى الخدمة فى عهد «الإخوان» ليصبحوا العقل المفكر لنوبات العصيان والتجمهر وإغلاق أقسام الشرطة والاعتصام دون أن يطبق عليهم «قانون تنظيم التظاهر»!

ورضخ المجتمع الذى يعانى من خوف هستيرى من الانفلات الأمنى بعد ثورة 25 يناير، فأصبح هاجس الأمن والاستقرار سيفاً مسلطاً على رقاب من قبلوا بتسليح أمناء الشرطة وبتعديل نصوص القانون رقم 109 الخاص بهيئة الشرطة، والذى جرى فيه إيقاف المحاكمات العسكرية لأمناء الشرطة، فأمنهم من العقاب ليصبحوا أشرس وأكثر جرأة وصلافة فى مواجهة مدراء الأمن الذين أصبحوا فى حاجة لمن يحميهم من غضب الأمناء!!

منتهى التناقض أن ينص الدستور على أن الشرطة «هيئة مدنية» بينما أفرادها مسلحون!.. وتسليح أمناء الشرطة يلغى حكم «المحكمة الدستورية العليا» بإلغاء المحاكمات العسكرية للأمناء.. فهل هذا ما كان يقصده الرئيس «عبدالفتاح السيسى» حين طالب بسن تشريعات جديدة لضبط الأداء الأمنى فى الشارع؟

بغض النظر عن قصد الرئيس، لقد أصبحت المحاكمات العسكرية لضباط وأمناء الشرطة مطلباً شعبياً، بسبب التجاوزات المتكررة التى أصبحت «اعتيادية» فى سلوكيات بعض ضباط وأمناء الشرطة.. ليس تشكيكاً فى نزاهة القضاء الطبيعى ولكن لأن القضاء العسكرى هو الأسرع فى تحقيق «العدالة الناجزة» وليس فيه درجات تقاضٍ تطيل أمد الدعوى أو تفتح ثغرات القانون.. ولدينا الآن مجلس نواب مهمته أن يناقش فاعلية هذا المطلب فيصدر به قانوناً أو يغلق باب المناقشة.

وإذا كانت جهات التحقيق الداخلية فى الوزارة غير كافية لردع ومعاقبة أفراد الشرطة فلا بد من تشكيل جهة تحقيق قضائية محايدة، تكون مهمتها التفتيش على أقسام الشرطة -التى تحول بعضها إلى سلخانات- والتحقيق مع أفراد الشرطة وتطبيق لائحة داخلية للعقاب (عادلة ومحكمة) بمشاركة لواءات الداخلية.

وحتى يحدث هذا -إن حدث- لا بد أن يقتصر حمل أمناء الشرطة للسلاح على مواعيد وأماكن العمل، ولا يصبح سلاحاً فى يد العابثين بأمن البلاد يروّعون به الآمنين ويهدروا دماء الجميع.

لا بد أن نعترف بأن محاربة الإرهاب أصبحت ذريعة لانتهاك القانون، وأن أمناء الشرطة أطاحوا بالثقة المشروطة بالمساواة بين الشرطة والشعب.. وأن حالة المصالحة التى تمت بين الشرطة والشعب عقب ثورة 30 يونيو ليست «شيكاً على بياض».. وأن قتل المواطنين والتحرش بالنساء ليس حالات فردية لبعض الأمناء بل حالات مَرضية تستوجب الفصل من الخدمة حتى لو أخلت النيابة سبيل المتهم.

هل تشك أن هناك اختراقاً إخوانياً لأمناء الشرطة هدفه إفشال نظام «السيسى»؟

لو ثبتت هذه الفرضية فهذا أدعى لمواجهة أقوى من الدولة، خاصة وقد نجح بلطجية الأمناء فى بث الفوضى بين فئات المجتمع مما يهدد أى مستثمر أو سائح يفكر فى المجىء لمصر.

حين يدوس رجال القانون بأحذيتهم الغليظة على القانون وعلى رقاب المواطنين لا تسأل الصحافة عن سمعة جهاز الشرطة.. ولا تبحث عن مبرر سخيف لممارساتهم الدموية.

لقد نجح أمناء الشرطة فى ضرب الأمن والاقتصاد معاً.. ولوّثوا ذكرى الشهداء منهم.. فهل يحاكم كل «حاتم»؟!