أزمة أمناء الشرطة

هل فقدت وزارة الداخلية سيطرتها على أمناء الشرطة؟ ما أن تفتح الإنترنت إلا وتجد عشرات من الحوادث متهم فيها أمناء شرطة ما بين تحرش ببنات وسحل سيدات وضرب شباب أمام أمهاتهم وابتزاز وتلفيق تهم، ولم يعد الأمر مقتصراً على الطبقة الفقيرة مثل ذى قبل «رغم جرم وقبح ذلك»، وإنما امتد للطبقة الوسطى التى عادة ما كانت معاركها مع صغار الضباط الذين ما زالوا فرحين بالبدلة الميرى وسلطتها ولم تتعمق فيهم قيم مسئوليتها وما تمليه عليهم من سلوكياتها.

لكن التطور الآن وصل لاعتداء أمناء الشرطة على الأطباء والمحامين والمهندسين وغيرهم، ما أفقد الطبقة الوسطى -التى اعتقدت لفترة طويلة أنها بمأمن عن هذه الممارسات- حيادها تجاه السياسة فى تكرار لما حدث فى حادثة «خالد سعيد» ابن الطبقة الوسطى الذى ضربه أمناء شرطة حتى الموت فكان شرارة الثورة وأيقونتها، ويبدو أن الأمناء لم يتعلموا الدرس، بل خرج بعضهم لينتقم على طريقة الفيلم الشهير «عاد لينتقم» لنسمع كل يوم عن حوادث مشابهة لخالد سعيد، وإن كان بعضها لم يصل لحد القتل.

وهذه أزمة كبيرة تعرض النظام كله للخطر وتحتاج إلى فهم جيد، فهى إما خروج أمناء الشرطة عن السيطرة وهو ما ينبئ بخطر على المجتمع كله لما لبعضهم من علاقات وطيدة مع المرشدين والمجرمين والمسجلين خطر كإحدى أذرعهم فى الشارع لمعرفة المعلومات وجمع التحريات، وبالتالى يمكن أن يبلور بعضهم تشكيلات عصابية شديدة الخطورة على الناس وحتى على الدولة.

السيناريو الثانى يمكن أن يكون الأمر ليس فى حجم الحوادث «رغم جرمها وفداحتها» لم تزد عن السابق وإنما المختلف هو المتغير فى المعادلة، وهو قدرة الناس على الرصد والتوثيق والنشر، هو قدرة الناس على تداول المعلومات وعدم خضوعها لرقابة أو توجهات الصحف ووسائل الإعلام التقليدية، قدرة الناس على التكرار وإعادة النشر وإعادة التداول، فأصبحت الواقعة التى كانت تحدث فى الظل أو وراء أبواب مغلقة، أقصى ما يترتب عليها أن يتداولها اثنان من الخائفين همساً، الآن تنتشر وتتداول بين ملايين وقبل الانتهاء من أثرها أو دخول خبر آخر ينقلها إلى درجة أقل أهمية تظهر واقعة أخرى لتشعل الغضب فى الصدور من جديد وتراكم عليه.

غضب الصدور ينعكس بخوف من القيادات تتمثل ملامحه فى الخوف من طفل ارتدى تيشرت يحلم بوطن بلا تعذيب لما يقرب من عامين دون مبرر منطقى، أو تجريم التظاهر إلى حد حبس شباب لمدد تصل للمؤبد على خلفية التعبير عن رأيهم كالشاب «أحمد دومة» وغيره ممن لم يستخدموا سوى رأيهم كسلاح، ولم يشفع لهم دورهم الرائع فى القضاء على نظام الإخوان.

ما يجب أن يدركه الجميع أن المتغير الأهم هو أن الناس كسرت الطوق، لم تعد تخاف من الحديث وبصوت عالٍ سواء عن شجاعة أو وراء أسماء مستعارة، وأصبح الصوت الواحد ملايين ولن يمكن إسكات هذه الملايين إلا بإعلاء قيمة القانون ومحاسبة كل من يثبت أنه انتهك حقوق الناس، وإقرار العدل فيمن حبس أو سجن بلا تهمة غير حقه فى التعبير، وحبس وسجن من يقوم بجرائم فى حق الناس، وعلى الداخلية دراسة الموقف بأسرع وقت وفهم إن كان لديها تنظيم أصبح خارج السيطرة أم أنها فعلاً حوادث فردية لا بد أن تواجه بشدة وبسرعة حتى لا تكون سبباً لانفجار لا يعلم عواقبه إلا الله.