قضية «جوليو» وملف حقوق الإنسان فى مصر

سجل حقوق الإنسان فى مصر يزداد تعقيداً، فكثير من الانتهاكات الجسيمة لم يتم حسمها، سواء بالرد عليها أو إجراء تحقيقات حاسمة، ويبدو أن هناك قراراً بعدم التعامل مع تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية، بل هناك تجاهل لهذه التقارير التى تتناول إحصائيات بأعداد المعتقلين أو المحبوسين احتياطياً أو المختفين قسرياً أو أحكام الإعدام بصرف النظر عن مدى صحة هذه الأرقام أو المبالغة فيها، لكن الثابت أنه لا يوجد رد رسمى من الحكومة المصرية على هذه التقارير أو فى نتائج تحقيقات النيابة العامة فى مثل هذه البلاغات التى غالباً ما تقدمها منظمات محلية أو دولية أو أسر الضحايا، فتصدر هذه التقارير وتُقدم للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وتظل فى السجل دون وجود رد رسمى يصححها أو ينفيها.

ولا شك أن قضية تعذيب وقتل باحث الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى فى مصر، الذى اختفى يوم 25 يناير حتى وُجدت جثته على طريق مصر - إسكندرية الصحراوى، هذه القضية ألقت بمزيد من الظلال على هذا السجل لاسيما أن هذه القضية قد حازت على اهتمام دولى كبير، فضلاً عن اهتمام الحكومة الإيطالية التى أرسلت طاقم تحقيق يتابع التحقيقات الرسمية بجانب السلطات المصرية، ورغم أن التحقيقات تتم بالتعاون مع السلطات الإيطالية فإن الصحافة العالمية بدأت تفسر بياناً حول تقرير الطب الشرعى وبعض المصادر التى تشير إلى تورط أجهزة أمنية مصرية فى القضية على أنها انتهاك بمعرفة الحكومة، بل وبعض التقارير الصحفية حرصت على أن هناك تأكيداً على أن جوليو قُبض عليه يوم 25 يناير بواسطة مسئولين أمنيين يرتدون الملابس المدنية.

فى الحقيقة هناك تربص بالدولة المصرية ويساعد على ذلك أن سجل مصر فى مجال حقوق الإنسان متضخم، مما يزيد الشكوك ويعطى لتلك الصحف والوكالات الفرصة لإثارة الشكوك فى أجهزة الأمن، ويجب أن نعترف أننا تعاملنا مع هذه القضية ببعض الأساليب القديمة، التى كنا نتعامل بها مع قضايانا، على سبيل المثال قضية خالد سعيد، حيث أنكرت الشرطة من البداية أى علاقة بهذه القضية وحاولت أن تُرجع الأمر إلى ابتلاع الضحية لفافة بها مخدرات ثم تبين فى النهاية أن الوفاة ناتجة عن التعذيب، صحيح أن هذه القضية تحتاج إلى التعامل بشفافية وأن يُحقق فيها وفقاً للأصول الجنائية أياً كانت الجهة التى ارتكبت الجريمة، وأتمنى طبعاً ألا تكون من جهة أمنية مصرية، فهذا يعقد الملف ويجعل الوضع صعباً على البلد، إلا أنه فى كل الأحوال يجب أن نقف على الحقيقة وأن نحاسب المخطئ أياً كان، وقد يكون ذلك أخف ضرراً، الأهم أيضاً هو ضرورة تغيير سياستنا بشأن ملف حقوق الإنسان عموماً.

أولاً: ضرورة التعامل مع منظمات حقوق الإنسان المحلية قبل الدولية بقدر من الاهتمام والاحترام بتنظيم وضعها القانونى وخلق قنوات للتواصل والتشاور والرد على البلاغات والتحقيق فيها واعتماد سياسة للرد على كل الأسئلة والتقارير والاتهامات بصدر رحب.

ثانياً: أن تكون لدينا سياسة للإنصاف والمحاسبة، أى انتهاك لحقوق الإنسان يتم التحقيق فيه فوراً ولا تستر على أى منتهك لحقوق الإنسان أياً كانت رتبته أو وظيفته وأن يحال للقضاء بشكل فورى.

ثالثاً: إصدار قانون العدالة الانتقالية الذى نص عليه الدستور، لا سيما الشق المتعلق بإصلاح المؤسسات الشرطية والقضائية كى تعمل على تعزيز واحترام حقوق الإنسان المصرى وأن تقف سداً مانعاً ضد أى انتهاك. ملف حقوق الإنسان يعد من أخطر الملفات لا سيما أن الآليات الدولية أصبحت أكثر فاعلية الآن، أكثر مما قبل، وقد تكون قضية جوليو مناسبة لأن نهتم أكثر، فإظهار الحقيقة ومحاسبة المسئولين عن الانتهاكات وتبنى سياسة عدم الإفلات من العقاب قد تكون طوق النجاة من التدخل فى شئوننا عبر الآليات الدولية.