والدة الشهيد علاء عبدالهادي: ولا أي فلوس ممكن تعوض أي أم عن ضناها.. علاء كان سندي
![والدة الشهيد علاء عبدالهادي: ولا أي فلوس ممكن تعوض أي أم عن ضناها.. علاء كان سندي](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/62319_660_6543511.jpg)
"أرجع يا علاء.. أرجع يا علاء" الصرخة الأخيرة لأحد أصدقاء علاء عبدالهادي.. شهيد اعتصام مجلس الوزراء، عندما حاول الاقتراب من أحد المصابين لإسعافه ولم ينتظر دخوله إلى المستشفى الميداني المنصوبة هناك، قبل أن يتلقى طلقا ناريا استقر في رأسه، ليقضي على حياته ومستقبله كطبيب ناجح.. كانت آخر كلماته على موقع "تويتر": "لما أنزل أشوف إيه اللي بيحصل.. أسترها معانا يا رب"، حملهُ الأصدقاء على أكتافهم أملاً في محاولة إنقاذه التى باتت بالفشل، تحاول الأم الاطمئنان على ولدها مرارا وتكرارا لكن دون جدوى، هاجسها الذي كان يداعب حواسها جعلها تطلبه للمرة الأخيرة.. لم تقو على الكلام عندما رد على الهاتف شخص غريب.. زادت لحظات القلق والارتياب عندما تذكرت سماعها على قناة الرحمة أن هناك اشتباكات تحدث في محيط مجلس الوزراء، التقطت خالته الهاتف من بين أناملها المرتعشة، فينطق بكلمات باردة كالثلج.. "هاتى راجل وتعالي حالا دلوقتي.. أنا هافضل فاتح الموبيل لحد ما تيجوا.. علاء اتصاب هتلاقوه في مستشفى المنيرة يا القصر العيني".. وقعت الجملة كالصاعقة على الأم المكلومة، انطلقت هى ووالده وشقيقه "كريم"، دعواتها لم تنته طوال الطريق "يا رب تكون إصابة بعيد عن العين دا مبيضربوش إلا في العين والدماغ.. دا دكتور ومستقبله عينيه"، طريق استغرق ساعتين مرت وكأنها سنوات من القلق، حتى وصلت إلى القصر العيني القديم.. أصدقاء الشهيد أمام المشرحة.. البكاء وعلامات الأسى تملؤ الوجوه، لحظتها تيقنت أن ابنها قد فارق الحياة، فهوت على الأرض كالجثة التى هربت من عروقها الدماء بوجه أبيض كالثلج، دقائق واستجمعت قواها عندئذ أدركت أن صغيرها.. أصبح شهيدا.
استشعرت بجنين يتحرك داخل أحشائها، أسرعت إلى أقرب عيادة لتفحص نوع مولودها الأول من خلال "السونار"، يبتسم الدكتور وهو يحدق بالجهاز مراقباً تحركات الجنين، تخطو الأم وعلامات الاغتباط تملؤ ملامحها لتخبر العائلة "أنا حامل في ولد".. تفرح أسرة البيت بأكمله، والزغاريد تتعالى، الجد يهلهل قائلاً: "أبنك هيتشال على كفوف الراحة قبل حتى ما يتولد"، الحفيد الأول في الأسرة له رعاية مميزة منذ بداية أشهر الحمل، اقتربت اللحظة الحاسمة "الطلق" لم تشعر بها الشابة التى كانت تنظر كل ليلة إلى التقويم الميلادي لترقب نهاية التسعة أشهر ليخرج وليدها الأول إلى الدنيا.. المستشفى الأميركي شهدت ولادة طبيب الثورة التى كانت هادئة كاسمه، فهو طفل مدلل، هادئ الطباع، ذكي وسريع الاستيعاب، حسب ما وصفته والدته.
"يوم 18 كان عيد ميلاد علاء.. بس يا قلب أمه مات ملحقش يكملهم"، دموع تعصر قلب والدته التى كانت تنتظر أن يتم عامه الـ 23 لكن رصاص العسكر كان أقرب له من شمعه تنطفئ احتفالاً بسنة مرت من حياته وسنة حاضرة تحمل ملامح جديدة في عمر الشاب الذي طالما كان مثالاً للاجتهاد في دراسته، وحبه للعلم والمعرفة "يوم الثانوية العامة عشان نقص في الأحياء درجتين ونص، فحم نفسه من العياط لأنه كان جايب في سنه تانية 99.5 وتالتة 98.5 وكان حابس نفسه في الأوضة".
"علاء ابنك دا سياسي أوي".. كلمات مازلت تستجمع معانيها الأم التى فقدت زهرة عمرها، بعد أن أفنت حياتها لتربيته هو وشقيقه الوحيد، ذكر لها شخص في يوم ما بعد واقعة استشهاده أن ابنها كان معروفاً بحكمته وعقله الواسع، كان منبعا للحماس داخل طنطا.. فتذكر أن أصدقاءه يجتمعون في بيتها لرواية أحاديث علاء المتعلقة بالثورة، فتذكر رواية أحد الأصدقاء على لسان علاء قائلاً "أنا مش حاسس إن الثورة قامت هنا خالص"، كان يريد أن يأخذ أهل طنطا وليست أسرته فحسب موقفاً من الأحداث وعندما عاتبته جدته على أحداث ميدان التحرير "ما تخليهم يروحوا يا علاء؟ قاعدين بيعملوا إيه؟"، رد عليها الشهيد قائلاً "لو ابن بنتك مكانهم كنتي هتقولى كدا.. الناس دي مش غاوية تأذي حد دول رايحين يرجعوا حق ولادهم اللى ضاع".
منذ لحظة دخول "علاء" كلية الطب وهو يطبق ما درسه على عائلته.. "ما تعمليش أكل مسبك عشان ميتعبش المعدة ولا تحطي سمنة"، لكن لم تمنعه تلك النصائح من أن يقف ضعيفاً أمام "الحمام المحشي" الذي تطعمه أياه لحظة وصوله إلى بيت جدته يومي الخميس والجمعة، تذكر والدة الشهيد أن أحلامه كانت أكبر من سقف الواقع.. كان يحلم بعمل وحدة إسعافات أولية وتطبيق المثل الأعلى في المدارس.
"بتوع الجيش هما اللى موتوا علاء.. لأنه كان معروف .. كان كاتب على النت يوم 20-11 أنا نازل ولو حصلى حاجة دمى في رقبة المشير والمجلس"، مر عام كامل تتساءل فيه الأم التى فقدت ضناها عن القصاص العادل، مستنكرة نسيان الدولة لحقوق الشهداء السابقين.. "قالوا هيبقى في قصاص.. مرت سنة وممسكوش اللى قتل ابنى.. ابنى كان بيساعد المصابين لا عمره أذى حد ولا عمره غلط في حد"، تقع فريسة دموعها التى التهمت وجنتيها من خلف النقاب بعدما قررت أن تلبسه فور رجوعها من الحج، تستنكر موقف الرئيس محمد مرسي رغم انتخابها له فى الإعادة، بعد خسارة عبد المنعم أبو الفتوح للسباق الرئاسي بأنه لم يستقبل أهالى الشهداء ليطمئنهم على حقوق أولادهم التى لم تذهب سدى قائلة "جابوا شوية ناس معرفش هما اللى نقوهم ولا معرفش جابوهم منين.. بس أحنا محدش اتصل بينا خالص".
لحظات من الغضب تظهر في نبرة إلهام شحاته والدة علاء عبد الهادي.. النيابة حولت مقتل أكثر من 19 شهيد في أحداث اعتصام مجلس الوزراء إلى مجرد تحقيق في واقعة حرق المجمع العلمى، تقول المكان اللى انتوا قاعدين فيه بدم الشهدا إحنا اللى دفعنا التمن غالى قوي.. مين أهم ولادنا ولا شوية كتب؟ ولا دمنا بقى أرخص من شوية ورق؟ حسبي الله ونعم الوكيل في اللى قتل أبني". لم تعبأ الأم بالتعويضات المادية بقدر ما تحلم بوجود قصاص رادع يقف أمام كل من تسبب في إراقة قطرة دم من مستقبل مصر الكامن في شبابها .. "ولا أى فلوس ممكن تعوض أي أم بعد ضناها عن حضنها، علاء كان سندي وبعد علاء غابت عني الدنيا ومش هرتاح غير لما نجيب حقه ونعرف مين اللى قتله".
أصوات الكروان تملأ أرجاء المدافن التى تبتعد عن منزل الشهيد بضع دقائق، الأم تقف أمام قبر صغيرها تقرأ له الفاتحة وتستطرد في الدعاء .. "نور قبرك واجعله روضة من رياض الجنة يا حبيبي".. دموع تنهمرعلى فراقه يصطحبها شريط من الذكريات للسنوات الـ22 الماضية مناجية إياه "وحشتني قوي يا علاء.. الدنيا وحشة من غيرك قوى بتمنى اليوم اللى أقابلك فيه في الجنة.. كنت عايشه عشانك أنت وكريم، ربنا يعوضنى فيك خير، احتسبتك عند الله من الشهداء وربنا يظهر حقك يا حبيبي".
أخبار متعلقة:
عام على أحداث "مجلس الوزراء".. في ذكرى شيخ وطبيب ومناضلات ضحوا في سبيل رحيل "العسكر"
علاء عبد الهادي الذي قال مازحا "عمر المختار وجيفارا وأنا من أبطال التاريخ" فحقق له "العسكر" أمنيته
بعد عام على استشهاد نجلها.. والدة محمد مصطفى للرئيس: فين وعدك ليا يا دكتور مرسي
غادة كمال إحدى ضحايا "السحل" في "مجلس الوزراء": رغم الألم والإهانة ماعرفوش يكسروني
زوجة الشيخ الشهيد: عرفت أن عماد عفت زوجي في الجنة.. فسبقني إليها برصاص العسكر