«السيسى».. الإنجاز والإحباط (1)

محمود مسلم

محمود مسلم

كاتب صحفي

من يتابع خطابات الرئيس السيسى الأخيرة يشعر بأن هناك فجوة بين جهد الرئيس وإحباط المواطن، فمما لا شك فيه أن الرجل يجتهد كثيراً، خاصة فى المشروعات القومية، ويتعامل بإخلاص نحو إنجاز ما ينفع الناس فى الحاضر والمستقبل، لكن ما زال المواطن يشعر ببعض الإحباط، قد يكون نتيجة طبيعية لتراكم المشكلات، أو لرفع سقف التوقعات، أو لسوء الأداء فى ملفات كثيرة، خاصة فى الجهاز الإدارى والخدمات، أو أن الرئيس يدفع ثمن أخطاء كثير من مرؤوسيه فى ملفات لا يتصدى لها، إما بحكم التعفف، أو لاعتقاده بأن الناس كلها يجب أن تقوم بدورها، أو لانشغاله فى ملفات المشروعات القومية التى يرى أنها الأكثر فى الأولوية.

المتابع للأحداث يرى أن الدولة ليست على قلب رجل واحد، وأنه فى كثير من الأحيان هناك نغمات شاذة ومتضاربة، وإذا كان هذا أمراً طبيعياً فى «أشلاء الدولة» كما وصفها الرئيس، لكن من غير الطبيعى ألا تتعلم الدولة من أخطائها، أو ألا يرى الناس بدايات حقيقية للكلمات الرائعة التى أعلنها الرئيس أمام مجلس النواب «بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة قائمة على أسس الوطنية والعدالة والحرية.. إننا نسعى لمجتمع المعرفة.. مجتمع يتعلم ويفكر ويبتكر».

إنجازات الرئيس الكبيرة انحصرت فى أمور البنية التحتية والكهرباء - مشروع قناة السويس - الطرق - شرق التفريعة - تخفيض الأسعار - المشروعات الصغيرة - زراعة 1٫5 مليون فدان - المحطة النووية»، لكن، وكما اعترف السيسى نفسه أمام مجلس النواب قائلاً: «أدرك أن ثمار هذه المشروعات وغيرها تستغرق وقتاً أكبر كى نحصدها»، وهى تمثل إحدى الإجابات الحقيقية حول «لماذا يشعر الناس بالإحباط؟»، لكن أيضاً الرئيس لا يتفاعل مع القضايا اليومية التى تشغل فكر ووجدان المواطن، والأغرب أن الإنجازات فى مجال الفكر والوعى والتعليم لا تسير بنفس الوتيرة فى ظل دولة تواجه مؤامرات حقيقية، كما اعترف الرئيس فى خطابه أمام مجلس النواب، وبالتالى فإن السلاح الأهم والأقوى للمواجهة هو الوعى الذى يتم تشكيله عبر الإعلام والثقافة والخطاب الدينى والتعليم، وكل هذه المجالات لم تصلها الثورة أو الإصلاح أو الإنجاز الحقيقى حتى الآن.. وبالتالى فإن الشعب ما زال فى مرحلة التشويش، والمتآمرون ما زالوا يلعبون فى عقول أبنائه، بينما الدولة لم تقدم حتى الآن رؤية حقيقية أو إنجازات فاعلة فى مثل هذه المجالات، فهى -كغيرها- يتم التعامل معها بـ«اليومية»، وهو ما يضرب مشروع الرئيس «الحفاظ على الدولة المصرية» فى مقتل.

قد يكون لانتشار الإحباط أسباب أخرى مثل غياب الحوار الجدى والمشاركة المجتمعية فى بناء حاضر ومستقبل هذا البلد.

فلقد بنى «بوتين» دولته العظمى على محورين، الأول رفع الانتماء القوى لدى شعبه، والثانى جمع كل العلماء فى اجتماعات مكثفة لإعداد رؤية موحدة لتكون روسيا دولة عظمى خلال عشرين عاماً.. وبالتالى فإن المحور الأول قام على الوعى، والثانى اعتمد على العلم.. ومصر فى أمسّ الحاجة لتغليب العلم والاهتمام بالعلماء، ولو من خلال اللجان الاستشارية الملحقة برئاسة الجمهورية، التى لا يعرف أحد حتى الآن وظائفها ودورها وتداخلاتها مع الحكومة، فيجب توسيع هذه المجالس على أن تكون بوتقة حقيقية لانصهار كافة أفكار المبدعين والعلماء، بدلاً من أن تنفجر هذه الأفكار على شاشات الفضائيات، وأن يتم إنشاء مجلسين، أحدهما سياسى، وآخر أمنى لمواجهة الإرهاب والأمن القومى.

يستمر إحباط الناس طالما غاب الوعى، رغم كل الإنجازات التى ينفذها الرئيس، وهى بحق تدعو للفخر عندما تصل نتائجها للناس، وسيظل الإحباط ما دام هناك مَن يسب الناس على الشاشات دون رادع، وتفاقم أزمة الأطباء مع الداخلية دون حوار.. وأسئلة مقتل «ريجينى» بلا إجابات، بينما تنهش الصحافة الغربية فى عرض الدولة المصرية، وغيرها من الأزمات التى تنتهك عقول المصريين بلا حلول موضوعية أو حوارات جدية، وفى ظل غياب الرأى العام عن المشاركة.. ورغم كل الإنجازات التى يقوم بها الرئيس، سيظل الإحباط مستمراً طالما ظل الوعى بلا أدوات، وظل الرئيس يرفض السياسة، ورئيس حكومته يكره الإعلام.. ونكمل غداً.