محمد بن راشد الذى علّم علينا.. وعلّمنا!!

02/10/2016

محمد فتحى

كاتب صحفي

قلنا ونقول وسنظل نقول: قل لى ما هى رؤيتك، أقل لك من أنت.

قلنا ونقول وسنظل نقول: إن نجاح إمارة مثل دبى يعود للإدارة وليس للفلوس. كم من بلد عربى يمتلك الفلوس لكنه لا يمتلك الرؤية.

محمد بن راشد آل مكتوم دائماً يبهرنا بطرح الرؤى والاقتراحات. وفى الوقت الذى تتحدث فيه السلطة فى مصر عن الشباب وعامهم، دون أن تستطيع تمكينهم حقيقة، فخورة فقط بإنجاز الشباب فى برلمان مستأنس يحوى ما يحوى من نواب زن وإلحاح وشهرة زائفة، كان الرجل يطلب من الجامعات ترشيح شباب ليتولى أحدهم مسئولية وزارة الشباب التى يشغلها لدينا المهندس خالد عبدالعزيز «وزير النجيلة والرياضة» لو شئت الدقة، بشعره الأبيض الذى لا يعيبه، بل يعيبنا، مهما كان الرجل عبقرياً، ولعل تجربة مساعدى الوزراء التى أفشلتها الدولة العميقة كانت سبباً فى عدم تكرارها، لكن ها هى دبى تعلم علينا، وقديماً قلناها: لا تأخذوا أموالاً من الإمارات كمساعدات.. هاتوا محمد بن راشد سنة رئيساً للحكومة، وهى المبالغة التى قد لا تعجب البعض، لكنها تعجبنى شخصياً لا سيما وأنا أسمع سائق التاكسى يسألنى: هما ليه ماجابوش حد لغاية دلوقت بعد إبراهيم محلب؟!

قبل فترة فاجأنى أحد رجال السلطة النافذين بأن الإمارات بعد أن (اتلسعت) من شوربتنا الحكومية صارت تنفخ فى زبادى كل معوناتها التنموية لمصر، بل إن لديها دراسات أحدث منا.. (عنا)، وبعد الثلاثين من يونيو، وفى فترة الدعم اللامحدود، كان القادمون من الإمارات يستغربون (بلادة) بعض المسئولين فى انتقاء أوجه (الصرف)، وهو الأمر الذى ظل يتطور إلى أن وصل إلى أن الإمارات لا تعمل فى مصر مع الحكومة، وإنما مع جهات سيادية مباشرة لأن لديهم الأرقام الحقيقية، ورصيد الثقة!! لدرجة أن صوامع القمح التى ساعدت الإمارات فى بنائها فى مصر كانت ستتكلف أكثر من تلك التكلفة لسوء التخطيط لولا تدخل متخصصين من هناك.

قبل سبع سنوات تقريباً كنت أجلس فى مكتب القائد العام لشرطة دبى، وقلت له: ألا تشعرون بخطر ومقر القيادة العامة من الزجاج ويمكن استهدافه بسهولة؟ ووقتها رد: لدينا فلسفة معمارية تريد أن تثبت للناس أننا نعمل فى إطار من الشفافية، وتؤكد أن دخول هذا المكان سيسعدك بدلاً من أن يجعلك تشعر بالخوف أو الاكتئاب، كما أننا لو استهدفنا وتم إطلاق صاروخ على مبنانا «نستاهل» ما يحدث بسبب تقصيرنا!!

قبل ثلاثة أعوام حضرت القمة الحكومية العالمية التى عقدتها (دبى). رؤساء حكومات ووزراء ومحافظون ورؤساء مدن عالمية يعرضون تجربتهم أمام الجميع، والإحصائيات تؤكد اختفاء الجريمة المنظمة فى دبى، وأنها أكثر بلدان العالم سعياً للعيش فيها. صعدت الغرفة فوجدت نسخة من أحدث كتب محمد بن راشد مهداة لى بتوقيع منه، وعرفت أنها على نفقته الشخصية وليست من ميزانية الدولة أو المؤتمر. عرضت دبى فى القمة مفهوم السعادة كهدف أساسى فى أساسيات (علم الحوكمة)، التى تتفق على أن الحكومة التى لا تسعد الناس حكومة فاشلة. بجانبى جلس نائب رئيس مدينة سول فى كوريا الجنوبية، الذى حكى لنا عن تجربته فى استطلاع رأى الناس عن خدمات المدينة، وعن تلقيه اقتراحاً من طفل فى الإعدادية لتشغيل خطوط مواصلات عامة استثنائية فى فترة الليل وحتى النهار لنقل العمال وأصحاب المهن الليلية، وهو ما استجاب له رئيس المدينة وحقق نجاحاً، وإيرادات. فى المساء دعتنا اللجنة المنظمة لجلسة عصف ذهنى فى برج خليفة حضرها إعلاميون وخبراء ومتخصصون فى شتى مجالات الإدارة تحت عنوان (فكر دبى)، أو لو شئت الدقة: فكر لـ(دبى) ليستمعوا للعديد من الأفكار بعد ورشة عمل ممتعة ويقرروا الاستفادة منها بعدها. فى نهاية المؤتمر وزعت دبى (آى باد) على الحاضرين، فتحناه لنجده ترويجاً لجهد دبى، وفيه تطبيقات الحكومة الذكية التى تمكن المواطن من إنجاز أى شىء من بيته دون النزول للدوائر الحكومية، بل إننا اطلعنا على مناهج التعليم فى دبى، على أحدث مستوى فى العالم، والتى فوجئنا أن المشاركين فى وضعها: مصريون، وأن أول درس فى كتاب القراءة لأحد الصفوف الابتدائية هو: زيارة إلى مصر!!

حالة الانبهار بنموذج دبى لدى العديد من الشباب فى مصر ليست مستغربة إذاً، وبالتالى فإن وزارة للسعادة، ووزارة للتسامح، ووزيرة شباب عمرها 23 عاماً فى دبى شىء مبهر بكل المقاييس.

منذ سنوات ومبادئ علم (الحوكمة) تنص على أن الهدف الأسمى للحكومات هو: أن يشعر الناس بالسعادة، فإذا لم يتحقق الأمر، مبروك عليك حكومة فاشلة، وناس كارهة لكل ما يحدث.

علم محمد بن راشد علينا فى (الإدارة).. لا تخجلوا إذاً من أن تتعلموا منه.