«بيرجيت واجند» يا قضاة مصر

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

تذكرت تلك القاضية التى تولت محاكمة «أليكس فينز» قاتل الصيدلانية مروة الشربينى فى ولاية دريسدن الألمانية عام 2010. تذكرتها وتذكرت كلماتها وأنا أرى حسرات أهالى ضحايا أحداث الإرهاب فى بلادى وهم يرون أداء القضاة وتباطؤهم فى إقرار العدالة بما فى أيديهم من سلطة القانون. تذكرت «واجند» وأكرر حكايتها لقضاتنا علهم يرون فيها قدوة تحتم عليهم ضمائرهم الاقتداء بها أسلوباً وأداءً.

كانت القاضية بيرجيت واجند سيدة حاسمة واعية للدعوى التى تتصدى لها. لم تهتز لفكرة أن العالم يتابعها هى وبلادها بعد مقتل مواطنة مصرية وإصابة زوجها على يد إرهابى ألمانى متطرف. استهلت المحاكمة فى اليوم الأول لها فى 26 أكتوبر 2009 بالقول «إن على الجميع أن يعلم أنهم أمام قضية جنائية لا سياسية، وبالتالى فلا مجال للمزايدات أو اتخاذ المحكمة ساحة لإعلان المواقف السياسية». أكدت المرأة للجميع منذ اللحظة الأولى أنها لن تخضع لأى ابتزاز سياسى أو إعلامى فى تلك القضية. ليس هذا فحسب بل إنها حددت فى الجلسة الأولى موعد النطق بالحكم فى القضية التى حكمت فيها حكمها النهائى فى شهر فبراير 2010. وحينما رفض المتهم فى الجلسة الأولى رفع النقاب الأسود عن وجهه لإثبات حضوره نبهته ومحاميه ثلاث مرات بحسم وبدون ضجة ومهددة بالعقاب والغرامة وهو ما كان بغرامة 50 يورو كانت تعلم قيمتها لشخص مثله يحصل على معونة شهرية من الحكومة الألمانية ليتعيش بها. أبهرتنى «واجند» بأسلوبها فى التعامل مع القانون وبعدم انحيازها لأى طرف أو لأى فكرة، وبعدم خشيتها فى الحق شيئاً. توفر فى المحكمة منذ اليوم الأول ترجمة من الألمانية والفرنسية للعربية كى يتمكن الجميع من متابعة المرافعات. كما سارعت بعرض المتهم على طبيب نفسى أكد مسئولية المتهم عن أفعاله إلى أقصى الحدود. وحينما حاول دفاع المتهم ليلة جلسة النطق بالحكم إثبات إصابة موكله بمرض الفصام الذى أعفاه من الخدمة فى الجيش الروسى، لم تؤجل القاضية «واجند» النطق بالحكم سوى سويعات بسيطة استدعت خلالها طبيباً نفسياً ثالثاً للفصل بين تقريرين أحدهما يؤكد مسئولية المتهم عن أفعاله والآخر يعفيه منها. التزمت «واجند» بالقانون دون خشية أى شىء وأعلنت تقرير الطب النفسى بأن المتهم إرهابى مسئول عن أفعاله ليكون حكمها عليه دون أى التباس.

تذكرت السيدة «واجند» وأنا أرى بلادى تنتظر فرج القضاء منذ ثلاث سنوات فى قضايا الإرهاب التى تخنق فينا كل يوم آمال الثأر لمن راحوا دفاعاً عنا. تذكرتها وأنا أقرأ خبر محاولة هرب حبارة المعترف بقتل أولادى وتكرار فعله لو عاد به الزمن، تذكرتها وأنا أرى سمت قوانين ومحاكمات وإجراءات يعلم القضاة علم اليقين تعفنها وأن الزمن جار عليها وأن عليهم تغييرها بدلاً من جورهم على حقوق الضحايا بتأخير العدالة. تذكرت السيدة «واجند» وأنا أتابع خبر قبول النقض فى حكم الإعدام فى قضية كرداسة وما شابها من أحداث. ودون إرادة منى فرضت المقارنة ذاتها على ما شاهدته فى دريسدن وما يحدث فى بلادى المنهكة حتى يومى هذا من قضايا الفساد والإرهاب، فوجدت أن «واجند» لم تضع فى اعتبارها العالم الخارجى ودنيا المصالح والساسة ولم تحسب حساباً إلا لدولة القانون وإقرار العدالة. ولم تتعامل مع القضية باعتبارها سياسية بل جنائية، ولم تسمح للمتهم أن يجرها إلى مهاترات بعدم الانصياع للمحكمة أو إظهار عدم احترامه لها بعدم طاعتها منذ اللحظة الأولى، ولم تسمح لنفسها أو لفريق الدفاع أو مدعى الحق المدنى بالاستغراق فى التفاصيل القضائية والإدارية التى قد تؤخر العدالة على عكس قضائنا الغارق فى التفاصيل واللوائح القادر على تغييرها. لسنا بحاجة للتطهير فى القضاء كما ردد الإخوان لاستبدال أكثر من 3000 قاضٍ بآخرين من التابعين لهم، ولكننا بحاجة لتطوير منظومة القضاء فكراً وأداءً لضبط إيقاع العدالة وتطوير مفهومها فى أذهان المعتدين على حق المجتمع والوطن.