قتلة الألتراس فى تقرير بريطانى

لسيدنا عمر بن الخطاب كلمة مأثورة حدثنا بها الحسن بن علان الوراق، عن يوسف بن أبى أمية الثقفى، عن الحكم بن هشام، عن عبدالملك بن عمير، عن ابن الزبير، قال: «قال ابن الخطاب، إن لله عباداً يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره، رغبوا فرغبوا، ورهبوا فرهبوا، خافوا فلا يأمنون».

نحتاج نحن إلى تطبيق ما قاله «ابن الخطاب» أن نبحث عن أقرب رف ونضع فوقه هؤلاء الذين يفتعلون الضجة من أجل الشهرة والوجود الدائم أسفل بؤرة الضوء، ونشغل المتبقى من عقولنا بعد ما تعرضت له خلال السنوات الخمس الماضية بما هو أجدى وأنفع، البحث عن المستقبل بعد المرور على رحلة البحث عن من تسببوا فى تضخم كرة احتقان سنوات الماضى.

واحدة من أبرز الدوائر الملتهبة، هى تلك الدائرة الخاصة بشباب الألتراس الأهلاوى ووجعهم الساكن فى مجزرة بورسعيد، وشباب وايت نايتس الزملكاوى، ووجعهم الساكن فى مذبحة ستاد الدفاع الجوى، بالأمس كان الوايت نايتس ومن قبلهم بأيام الألتراس يحتفلون بإحياء ذكرى شهدائهم، كان التجمع بالآلاف، وكان التنظيم رائعاً، لم يخل الأمر من بعض المناوشات اللفظية عبر هتافات تدين بعض الأشخاص وتطالب بمحاكمتهم، عدا ذلك كان كل شىء حضارياً ويرد بقسوة على كل من اتهم الشباب بأنهم بلطجية ويحرضون على العنف.

يحتاج المستقبل إذاً إلى أمرين، الأول وضع المتهمين بالإهمال فى قتل هؤلاء الشباب داخل القفص، وضمانة ألا تتكرر الكارثتان مرة أخرى، وتلك ليست معضلة صعبة.

تقول كتب التاريخ الرياضى إن مصر ليست الدولة الأولى التى تشهد حوادث مفجعة بهذا الشكل فى بريطانيا كان ما هو أفظع يتجسد فى حادثة هيلزبره التى وقعت فى 15 أبريل 1989 وكان إجمالى ضحاياها 96 قتيلاً من جمهور ليفربول و175 مصاباً، هناك فى بريطانيا لم تكتف الحكومة بترضية الجماهير أو تقديم واجب العزاء ولم يكتف الشعب بالبكاء، بل تحركت الحكومة لفتح ملف الحساب، وتحرك الشعب الإنجليزى فى وعى جمعى تلقائى لمقاطعة كافة وسائل الإعلام الرياضية التى ساهمت فى نشر روح التعصب وأساءت للضحايا بأى شكل، فى الوقت نفسه كان القاضى «بيتر موراى تايلور» ينتهى من تحقيقاته فى الواقعة، ويكتب توصية للحكومة متضمناً ملاحظات أخذت بها الحكومة البريطانية لتأمين الملاعب هناك.

المفارقة هنا أن النيابة المصرية أنهت تحقيقها فى مجزرة بورسعيد بتقرير يتضمن 10 ملاحظات لضمان سلامة الجماهير فى الملاعب، ولكن الوضع فى مصر لم يكن كمثيله فى بريطانيا، لم ينظر أحد للوصايا التى نصت على ضرورة وجود خطط بديلة ومعلنة ولوحات إرشادية فى كل الملاعب تشرح طريقة دخول وخروج الجماهير للمباريات، ووضع قواعد وإجراءات صارمة واجب على الأندية تنفيذها مع جماهيرها، وطلبت تخصيص مجموعة من العاملين فى اتحاد الكرة يرتدون زياً مميزاً للمشاركة فى تنظيم دخول الجماهير ووجودها بالمدرجات، وبسبب تجاهل تلك التوصيات تكررت المأساة فى استاد الدفاع الجوى، وتكررت معها نفس الأسئلة الساذجة، من المسئول؟، من المتهم؟، مع أن المحرض واضح، والمقصر واضح، والمتقاعس عن تنفيذ توصيات النيابة واضح، والراغب فى إشعال غضب الشارع ضد الألتراس واضح، كل شىء واضح كما كان الحال فى بريطانيا بعد حادث هليزبره، الفارق الوحيد أن القاضى الإنجليزى وجد اتحاد كرة وحكومة ومجالس إدارات ينفذون وصيته، والضحايا وجدوا جماهير قادرة على مقاطعة الإعلام الرياضى الذى حرض بتعصبه الأعمى على إهدار دمهم.

هل أدركت الآن قيمة ما قاله عمر بن الخطاب، أميتوا الحق بهجره؟ تجاهلوا هؤلاء المحرضين، والراغبين فى شهرة على حساب الوطن، وأحيوا الحق بذكره، اذكروا شهداء الألتراس وحقهم وحق المستقبل فى ملاعب مؤمنة.