الرئيس والألتراس وأزمة الإعلام!

حلمى النمنم

حلمى النمنم

كاتب صحفي

هناك مشكلات كبرى فى الصحافة والإعلام، بعض هذه المشكلات يتعلق بإقرار قانون جديد ينظم الإعلام، وبمقتضاه يتأسس المجلس الوطنى للإعلام، وفى الأفق مجموعة من الآراء والمواقف فى الساحتين الصحفية والإعلامية حول هذه القضية، وأثق أننا بالحوار البنّاء والتعدد الخلاق سوف نصل إلى حل للمسألة القانونية والتشريعية.

غير أن ما أود أن أتوقف عنده لا يتعلق بالشق القانونى، هو أمر أسبق وأهم من القانون، أعنى الجانب المهنى. نعرف أن هناك حالة من التردى فى الأداء بمختلف قطاعات الدولة والمجتمع، هذا التردى أسبابه عديدة، منها تراجع فضيلة إتقان العمل أمام الفهلوة والمهيصة، وتراجع الالتزام بالقانون، أقصد الحدود الدنيا منه، وسيادة حالة من الترهل الإدارى، وانتشار الصوت العالى والتهديد حيناً والابتزاز حيناً آخر، مع موجات من الفساد الصغير والكبير اجتاحت مصر فى العقود الأخيرة، والمستوى فى المجال الصحفى والإعلامى لا يقل عما هو سائد، حتى إن أبسط قواعد المهنية لم تعد تطبق ولا يتم الالتزام بها فى عديد من المواقف.

الخطورة فى أن دور الإعلام هو «إعلام» الرأى العام، أى تقديم «المعلومة»، ومن ثم تنوير المواطن كى يبنى موقفه على «معلومة» صحيحة ودقيقة.

وأمامنا واقعة أخيرة دالة تتعلق بالاتصال التليفونى الذى أجراه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى مع الزميل الأستاذ عمرو أديب، فى برنامج «القاهرة اليوم»، مساء الاثنين الماضى، كان الاتصال مسموعاً للكافة، أى ليس فيه معلومة خفية، بل إن عدة قنوات أخرى قامت بإعادة بث ذلك الاتصال.. ومع ذلك نشر وأذاع البعض أن الرئيس دعا عدداً من شباب الألتراس (عشرة منهم) للاجتماع به، ثم بدأ النقاش.. البعض يشجعون هذه المقابلة، والبعض الآخر غاضب بشدة، إذ كيف للرئيس أن يجلس مع شباب هتفوا ضد القوات المسلحة وضد الشرطة و...؟! الغريب أن أخباراً أخرى نُشرت عن أن شباباً من الألتراس رحبوا بالدعوة واستجابوا لها وأن آخرين منهم لم يرحبوا، بل سيدرسون إمكانية الاستجابة للدعوة، وهكذا. لكن لم تكن هناك دعوة من الرئيس بهذا المعنى، كل ما قاله الرئيس أن يختار هؤلاء الشباب من بينهم مجموعة، ولتكن عشرة، لمتابعة التحقيقات والاطلاع على ما جرى ليطمئنوا؛ من أين جاءت حكاية الدعوة إلى اللقاء والاجتماع؟!

ومن المهم العودة هنا إلى نص المكالمة، طرح السيد الرئيس مبادرته عن اختيار عشرة من الشباب لمتابعة التحقيقات، فاستوقفه الزميل الأستاذ عمرو أديب متسائلاً ومستوضحاً: «يعنى مبادرة حضرتك عشرة من الألتراس تقعد مع المسئولين؟»، سوف نلاحظ أن الاستيضاح يتعلق بالجلوس مع مسئولين، دون تحديد مستوياتهم، ودون الحديث عن لقاء السيد رئيس الجمهورية شخصياً، وتأتى إجابة السيد الرئيس واضحة تماماً: «لا.. لا.. لا.. مش نقعد». هنا «لا» مكررة ثلاث مرات، المكالمة واضحة وضوح الشمس، لا لبس فيها، ولا شىء متوارياً بين السطور ولا خلف الكلمات.

أكرر -مرة أخرى- ليس فى المكالمة معلومة خفية، ولا الأمر يستحق اجتهاداً، إننا بإزاء مكالمة مسموعة للجميع، تكرر بثها عشرات المرات، نحن إذاً أمام حالة من عدم التدقيق، وعدم الالتزام بالنص المسموع أو المكتوب، بل يأخذنا الحماس أو التسرع إلى درجة «الاختلاق» أو «التأليف»، حدث هذا مع مكالمة معلنة ليس فيها كلمة خفية ومع شخصية بقامة رئيس الجمهورية، ومقتضيات المهنة تقتضى التدقيق فى كل حرف يقال، بل وفى نبرات الصوت أيضاً.

ترى هل عدم التدقيق ضعف مهنى لذاته وبذاته أم أننا بإزاء حالة من التعمد لدفع الأمور السياسية فى طريق يراه هؤلاء ويحاولون أن يدفعوا الرئيس إليه دفعاً، وهو الجلوس مع شباب الألتراس لإنهاء مشكلة قائمة، أم تعمد إحداث مزيد من الأزمات داخل المجتمع؟!!

لا يمكن لنا القطع بشىء، كل الاحتمالات واردة ومفتوحة، لكن هل يبرر الهدف السياسى، إن كان قائماً بالفعل، التجاوز المهنى على هذا النحو؟ بالتأكيد لا.

موضوع الألتراس يثير أزمة أخرى داخل الإعلام والصحافة، تتمثل فى الاهتمام بطرف واحد وجانب معين من أى قضية، والتركيز على هذا الطرف مساندة ودعماً أو رفضاً وتصدياً، مع إغفال الجوانب الأخرى. فى هذه المسألة يغفل كثيرون الجانب الآخر، وهو النادى المصرى وأبناء بورسعيد الذين سقط منهم ضحايا أيضاً، وهم كذلك من قاموا بحماية جمهور ومشجعى الأهلى وإلا حدثت مجزرة جماعية.

وليس أهل بورسعيد وحدهم، هناك القوات المسلحة، التى يصر شباب الأهلى على إدانتها، رغم أنها لم تكن موجودة ولا كان من مهمتها الوجود داخل المباراة، محافظ بورسعيد الحالى كان الحاكم العسكرى وقتها، وقال بوضوح إنهم كانوا خارج المبنى فقط للتأمين ومع ذلك لولا تدخلهم وفتح الأبواب والطرق لتضاعف عدد الضحايا، والكل يصمت عن ذلك ولا يريد التوضيح خوفاً من جحافل الألتراس أو عدم الاستعداد لبذل جهد مهنى فى التحقيق والتدقيق، أو ربما السعادة بإدانة القوات المسلحة.

ومن يتابع الساحة الصحفية والإعلامية لن يجد أسبوعاً يمر دون وقائع من هذا النوع، تأمل -مثلاً- حين كان الرئيس على وشك إصدار قرار بتعيين عدد من أعضاء البرلمان، وفق نص الدستور، وقبلها بأسابيع انطلقت المنصات الإعلامية لترشيح بعض الأسماء، وهذا لا بأس به، ولكن تطور الأمر، فأعلن البعض أن هناك أسماء بعينها باتت فى حكم المعينة، ثم ارتفع الأمر إلى حد الجزم أن أحدهم هو رئيس مجلس النواب المقبل، ولا أعرف كيف يمكن توصيف الأمر، هل هو «الاختلاق» والفبركة، أم أن هناك معلومات تم دسها على تلك المنابر؟ وهل انعدمت الخبرة المهنية إلى درجة الوقوع فى الدس هكذا؟!! أم أن الأمر ليس كذلك، بل هو تعمد الإلحاح والضغط على صانع القرار ليتخذ قراراً بعينه يريده البعض وذلك عبر محاولة خلق ما يشبه رأياً عاماً باتجاه شخصيات بعينها لمزيد من الضغط على صانع القرار؟!!

غير هذه النماذج، هناك يومياً، حالات متشابهة، فى كثير من التخصصات، وقد لا يتوقف الكثير عندها، وتجاوز الأمر شئون الداخل، بل وصل إلى علاقات مصر بعدد من الدول، آخرها السودان، وسمعنا الرئيس السودانى يشكو من الإعلام المصرى، ويصفه بالرداءة، وكان الرئيس البشير يشير بأصبع الاتهام إلى الإعلام المصرى فى حالة التأزم التى كادت تصيب العلاقات بين البلدين مؤخراً.

الأزمة داخل الصحافة والإعلام معقدة ومركبة، وتحتاج نظرة فاحصة وجذرية، لنحافظ على مكانة وريادة الإعلام فى الداخل المصرى وفى منطقتنا، لأن هذه الريادة باتت على المحك وتهتز.