«قصاصين الأزهار»: مياه ومحاصيل بـ«نفايات الغسيل الكلوى»

كتب: نظيمة البحراوى

«قصاصين الأزهار»: مياه ومحاصيل بـ«نفايات الغسيل الكلوى»

«قصاصين الأزهار»: مياه ومحاصيل بـ«نفايات الغسيل الكلوى»

يعيش مزارعو قرية «قصاصين الأزهار» بالشرقية مأساة حقيقية، إثر جفاف «ترعة القصبى» التى تمثل المصدر الوحيد لرى الأراضى الزراعية بالقرية، وغمرها بمياه الصرف الصحى، لتتحول من مجرى مائى إلى مصب للنفايات، واضطر المزارعون إلى استخدام مياه الصرف فى رى الأراضى الزراعية، بسبب عدم وصول مياه الرى للترعة، الأمر الذى أدى إلى انتشار الأمراض بين أهالى القرية، وسط استغاثات متكررة للمسئولين، دون جدوى. {left_qoute_1}

وسط حقل زراعى يمتد لمسافة شاسعة وقف السيد السعيد أبوالمعاطى، يلتقط الحشائش العالقة من محصول القمح، وعلى مسافة قريبة منه تقدم نجله محمد، ناحية ماكينة الرى التى تسحب المياه من الترعة، وبمجرد تشغيلها اندفعت مياه تعلوها رغاوى بيضاء، مخلفة رائحة كريهة تعكس كارثة رى الأرض بمياه الصرف الصحى، ويعلق أبوالمعاطى على المشهد قائلاً: «بنروى الأرض بمياه الصرف الصحى بس مش بمزاجنا ده احنا مغلوبين على أمرنا وبانزل الأرض وعارف إنى معرض للأمراض بس أنا خلاص كبرت والعمر مبقاش فيه أكتر من اللى فات، أنا بس بحاول أبعد ابنى عن مياه الصرف على قد ما أقدر، عشان الأمراض مش تقضى عليه وهو لسه فى بداية طريقه».

وأضاف «أبوالمعاطى» أن شقيقه أحمد، 62 عاماً، كان يعاونه فى زراعة الأرض، ومنذ عامين أصيب بمرض الحساسية بمرض الفشل الكلوى، وتدهورت حالته الصحية بسبب تلوث المياه التى أصبحت مصدراً للأمراض يؤرقهم ليلاً ونهاراً، ويصمت الرجل الذى ارتسمت على وجهه التجاعيد، تعلو شفتيه ابتسامة خفيفة، ثم يتابع قائلاً: «منذ سنوات طويلة كانت مياه الرى عذبة ونقية وكثيرة تكفى لرى الأرض، وتفيض وكمان كنا نشرب منها إذا عطشنا، ومنذ حوالى 5 سنوات تبدل الحال واختفت مياه الرى تدريجياً، وتحولت الترعة لحفرة عميقة جافة تخلو من المياه، وبعد فترة غمرتها مياه الصرف الصحى بعد أن أصبحت مصباً للنفايات وموقعاً لتخلص الأهالى من مياه الصرف الصحى».

محمد محمد النجار، 65 عاماً، موظف بالمعاش، وأحد أهالى القرية، لخص المشكلة بأنها ناتجة عن قلة مياه الرى، بسبب عدم وصولها لنهايات الترع، حيث تقع القرية على أطراف المحافظة، وتبعد عن مدينة الزقازيق، عاصمة المحافظة، بنحو 70 كيلومتراً، بينما تبعد عن محافظتى الإسماعيلية وبورسعيد، بمسافة تتراوح ما بين 25 إلى 30 كيلومتراً، لافتاً إلى أن عدم وصول المياه للترعة حولها إلى مجرد حفرة جافة، وزاد الأمر تعقيداً نظراً لعدم تمتع القرية بخدمة الصرف الصحى، فاضطر الأهالى إلى مد مواسير للصرف الصحى من منازلهم للترعة لتلقى بمياه الصرف الخاصة بالمنازل فى وسط الترعة.

وأضاف أنه بالرغم من إدراج القرية فى قائمة القرى المنتظر دخولها خدمة الصرف الصحى، ضمن المرحلة الثانية لخطة الاتحاد الأوروبى للقرى الأكثر احتياجاً، حيث تم رصد ميزانية للمشروع كمرحلة أولى 12 مليوناً و600 ألف جنيه، فإن تنفيذ المشروع لم يدخل حيز التنفيذ، وتابع: «طالبنا المسئولين بتدبير قطعة أرض لإقامة محطة رفع للصرف الصحى للبدء فى تنفيذ المشروع وبالفعل تم تدبير وتخصيص قطعة أرض مساحتها 300 متر، كائنة بالقطعة رقم «76» بحوض الزريبة نمرة «2» ضمن أملاك الوحدة المحلية بقصاصين الأزهار، مركز أولاد صقر، كتبرع من جمعية تنمية المجتمع المحلى بالقرية بتكلفة نحو 500 ألف جنيه، تم جمعها من الأهالى، ووافق المحافظ على تخصيص الأرض برقم 2000 لسنة 2011 ولكن حتى الآن لم يدخل المشروع حيز التنفيذ».

وأشار إلى أنهم تقدموا بشكوى لرئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالشرقية، بشأن معاناة القرية بسبب الصرف الصحى، وفوجئوا بحذف القرية من منحة الاتحاد الأوروبى وإدخالها ضمن البنك الدولى، دون تحديد الفترة الزمنية المخصصة للبدء فى إدخال المشروع للقرية، وكان رد أحد الموظفين حينما سألناه عن موعد تنفيذ المشروع: «حين ميسرة».

صدام حسين جمال عبدالناصر، صيدلى، وأحد أهالى القرية، أكد أن نسبة الإصابة بمرض الفشل الكلوى بين الأهالى تعدت 30%، مشيراً إلى أن معظم الحالات لا يتم اكتشافها مبكراً وإنما عندما يتفاقم المرض، حيث يفتقر أهالى القرية للخدمات الطبية، حيث لا يوجد بها سوى وحدة صحية فقيرة دون أجهزة طبية وأدوية وأطباء، مشيراً إلى أنه حال توجه أى من الأهالى للوحدة لا يجدون أى خدمة، إضافة لبعد المستشفى المركزى بأولاد صقر عن القرية، الذى يفتقر أيضاً للخدمات.

ويستكمل غازى محمد غازى، حداد، حديث الصيدلى، قائلاً: «ابنى «أحمد» تعبان ومطلوب له عملية جراحية ومش عارفين نعملها بقالنا شهور، وكل مرة الأطباء فى مستشفى أولاد صقر المركزى يأجلوا ويقولوا دوره لسه ماجاش.. هما مستنيين الناس تموت بعدين الدور ييجى».

فيما أكد أحمد شعبان فرج الله أن القرية محرومة من الخدمات على الرغم من أن تعداد سكانها يتخطى 100 ألف مواطن، لافتاً إلى أن المسئولين يتعاملون مع أهالى القرية من زاوية أنهم يعيشون على هامش الحياة وليس لهم حقوق على الدولة، ودائماً ما يكون مصير الشكاوى صندوق الزبالة، وتابع: «هما المسئولين منتظرين تحصل كارثة عشان يعبّرونا، أحد أقاربى يدعى «عبدالله. ع. ع» 42 عاماً، توفى إثر تدهور حالته الصحية بعد إصابته بمرض الفشل الكلوى وترك خلفه 3 أطفال أيتام بسبب الإهمال الذى تتعرض له القرية وأهلها على خلفية الأمراض التى تنهش فى أجسادهم واحداً تلو الآخر». إسماعيل الوزير، سكرتير جمعية تنمية المجتمع بالقرية، أوضح أن القرية تعانى أيضاً من مشكلة «مقلب القمامة» الذى يتوسط الأراضى الزراعية، مشيراً إلى أنه تم تأجير أرض المقلب من أحد المواطنين واستخدامه لتجميع القمامة ضمن برنامج تشغيل الشباب الممول من الصندوق الاجتماعى للتنمية، إلا أن القمامة تتراكم لتصل عدة أطنان نتيجة لعدم وجود معدات لنقلها رغم تزويد الوحدة المحلية بمنطقة «الفرايحة» بمعدات لنقل القمامة، لا يتم استخدامها حتى أتى عليها الصدأ.

من جانبه أكد عارف عبدالمجيد، رئيس مركز ومدينة أولاد صقر، أنه تلقى بالفعل شكاوى من الأهالى وكلف مدير الهيئة الاقتصادية والمسئولين بالمجلس بإعداد ملف كامل بتلك المشكلات وآخر ما انتهت إليه، للتعرف على أبعادها بشكل كامل، خاصة أنه تولى مهام عمله رئيساً للمركز منذ عدة أيام، مشيراً إلى أنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحل تلك المشكلات.

وأضاف المهندس صلاح عز، مدير مديرية الرى بالشرقية، أن المديرية تضع خطة لضمان وصول مياه الرى لكافة الترع، لافتاً إلى أن المديرية على استعداد لضخ المياه بالترعة فى القرية حال تلقى أى شكوى من الأهالى.

 

صورة لترعة القصبى بعد تحولها إلى مصب للصرف الصحى

 

مياه الرى تختلط بالصرف الصحى

 

رغاوى بيضاء فى مياه الرى


مواضيع متعلقة