خطاب النساء

كتب: محمود درويش

خطاب النساء

خطاب النساء

على كل امرأة حارسان وفى كل امرأة أفعوان ألا.. فاجلدوهن قبل الآوان وبعد الأوان.. اجلودهن فى الصبح جلده لئلا يوسوس فيهن شيطانهن.. وفى الليل جلده لئلا يعدن إلى لذة الإثم.. واستغفروا الله، وارموا على مرفأ الجرح ورده ولا تهجروهن فوق المخدة فإن النساء على كل معصية قادرات وإن النساء حبيباتنا من قديم الزمان * * * تزوجتُ خمسين مرة لأعرف مرة إذا كان ابنى هو ابنى وأى ولى على العهد كنت أباه.. وفى كل مرة أرى رجلاً واقفاً بين قلبى وامرأتى ولكننى لا أراه لأقتله، أو لأقتلها، بيد أنى أراه ويقتلنى كل يوم. وفى كل سهره يهاجمنى عاشق سابق عند باب القرنفل يغيب لأدخل، ثم أنام، فيدخل فكيف أحرر أجساد زوجاتنا من أصابع غيرى؟ وكيف أغير جلداً بجلد، ونهداً بنهد.. ونهراً بنهر؟ وكيف أكون امرأة من بياض البداية؟ وهل أستطيع دخول الحكاية وعندى من الليل أكثر من ألف ليلة أكثر من ألف امرأة لا تُغير فخ الحكاية ولكن قلبى مؤله وعرشى مؤله وفى كل امرأة شهرزاد.. وثعلب وفى كل طاغية شهريار المُعذَّب وإن النساء على كل معصيـة قادرات وإن النساء حبيباتنا.. * * * ضربن على سحرهن الحجاب فشب الدبيب بأجسادهن، وضاجعن أول مفتاح باب وأول قط، وأول ساعى بريد، أول كتاب هذا الخطاب قرأن لهن كتاب النبى.. فصدّقنا نصف الكتاب وبرأن عائشة من ظنون علىّ ولكن تأوهن بعد العتاب أصحراء حول الحميراء، مطلع ليل، وشاب طلى الشباب لماذا.. لماذا؟ وكيف تحرش ملح بثوب الحرير الأخير.. وذاب؟ ضربن على سحرهن الحجاب ولكن هذا الذى لا يرى قد رأى واستجاب فهل تتغطى العواصف يوماً بشال السحاب؟ وماذا وراء الحجاب؟ ألا.. إنهن «صواحب يوسف» رغم الحزام، ورغم الحرام، ورغم العقاب قوارير تكسر أساطير تسحر وذاكرة للغياب.. ففى أى بئر نخبئ زوجاتنا.. وفى أى غاب؟ وفى وسعهن ملاقاة أى هلالٍ ينام على غيمة أو سراب.. وفى وسعهن خيانتنا بين أحضاننا والبكاء من الحب.. والاغتراب وفى وسعهن إزالة آثارنا عن موضع أسرارهن كما يطرد المرء عن راحتيه الذُباب ويلبسن فى كل يومين قلباً جديداً كما يرتدين الثياب فما نفع هذا الحجاب؟ وما نفع هذا العقاب؟ وإن النساء على كل معصية قادرات وإن النساء حبيباتنا.. * * * تعبتُ.. ولو استطعتُ جمعت النساء بواحدة.. واسترحت وأنجبت منها ولياً على العهد حين أشاء ولياً على العهد مثلى.. وحدى صحيحاً فصيحاً يواصل عهدى ويحفظ خير سلاله لخير رساله ويجمعكم حول قصرى ومجدى.. هاله ولكننى قلق، فالنساء هواء وماء وفاكهة للشتاء وذاكرة من هواء وإن النساء إماء يغيرن عشاقهن كما يشتهى كيدهن العظيم وكيدى عظيم.. ولكن فيه موهبة للبكاء وفيهن ما أَحزَنَ الأنبياء وما أشعل الحرب بين الشعوب وما أبعد الناس عن ملكوت السماء.. فكيف أحل سؤال النساء؟ وكيف أحرركم من دهاء النساء؟ على كل امرأة أن تخون معى زوجها لأعرف أنى أبوكم وآخذ منكم ومنهن كل الولاء وقد تسألون: وكيف تنفذ هذا القرار؟ أقول: سأعلن حرباً على دولة خاسرة يشارك فيها الكبار ومَن بلغ العاشرة.. سأعلن حرباً لمدة عام تكون النساء عليكم حرام وأبعث غلمان قصرى -وهم عاجزون- إلى كل بيت ليأتوا إلىَّ بكل فتاة وبنت لأحرث من شئت منهن: بعد الظهيرة.. بنت وفى الليل.. بنت وفى الفجر.. بنت لتحمل منى جميع البنات ويُنجبن منى ولياً على العهد.. منى سأختاره كيف شئت صحيحاً فصيحاً مَليح القَوام .. وبعدئذ أوقف الحرب، من بعد عام وأعلن عيد السلام وأعرف مرة لأول مرة بأن الولى على العهد.. ابنى وأنى أبنى بلاداً بلا دنس أو حرام فألف سلام عليكم وإن النساء حلال عليكم فلا تهجروهن، لا تضربوهن، هن الحمام وهن حبيباتنا، والسلام عليكم، عليهن ألف سلام وألف سلام..