العنف يتصاعد في جنوب العراق فيما تخوض القوات حربا ضد "داعش"

كتب: أ ب

العنف يتصاعد في جنوب العراق فيما تخوض القوات حربا ضد "داعش"

العنف يتصاعد في جنوب العراق فيما تخوض القوات حربا ضد "داعش"

بينما تلملم الشمس جدائلها مودعة مدينة البصرة جنوب العراق، يهرع أحمد هلال لإغلاق باب منزله، كل طرقة على باب المنزل أثناء الليل ترتعد معها فرائصه وتتصاعد دقات قلبه حتى يكاد يغشى عليه من الخوف.

ما إن ينبلج الصبح تعود الطمأنينة إلى قلبه، ليرافق الأب أطفاله الثلاثة إلى المدرسة التي تبعد نحو 5 كيلومترات أو يرسلهم برفقة شخص يثق به.

الخوف خيم على حياة أبناء البصرة وصار جزءا أصيلا في حياتهم اليومية في خضم تصاعد أعمال العنف، وتفشي جرائم السرقات والخطف والابتزاز، حيث تشن الميليشيات الشيعية هجمات في جميع أنحاء المدينة مستقلين سيارات ذات نوافذ معتمة وبدون لوحات، في الوقت الذي تخوض فيه العشائر المحلية نزاعات دامية.

ويقول هلال، 40 عاما، موظف في مدرسة: "إذا طرق أحدهم بابك، فتضرع إلى الله ألا يصيبك مكروه، فصوت إطلاق النار، حتى وإن كان بعيدا، يدب الرعب في أوصالنا".

نجت البصرة، مقعل الشيعة في جنوب العراق، من براثن تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي سيطر على أنحاء واسعة شمال وغرب العراق 2014، لكن الحرب الشرسة التي تخوضها القوات العراقية ضد التنظيم، دفعت الحكومة إلى سحب قطاعات كبيرة من القوات العراقية من الجنوب تاركة فراغا أمنيا كبيرا شغلته الميليشيات الجامحة والعصابات الإجرامية.

وألقى المسؤولون المحليون باللائمة في زيادة معدلات السرقة، والسطو المسلح والخطف للحصول على فدية، والنزاعات القبلية الدموية وانتشار عمليات تهريب المخدرات على غياب الشرطة، وشكا السكان من تفاقم الوضع الأمني جراء الاقتتال على المناصب الحكومية وتنامي نفوذ الميليشيات الشيعية.

الشهر الماضي، قتل ابن شقيق هلال بالرصاص في وضح النهار على يد لصوص السيارات، ورصدت كاميرات المراقبة في متجر قريب الدقائق الأخيرة في حياة الشاب، وأظهر التسجيل المصور الشاب يحاول الفرار من السيارة حاملا المفاتيح بعد توقفها، لكن أحد المهاجمين طارده وأرداه قتيلا قبل فرارهم.

مسؤول أمني بالبصرة قال إن فرقة كاملة من الجيش العراقي تتألف من نحو 8 آلاف جندي انسحبت من المحافظة للمشاركة في القتال ضد تنظيم "داعش"، إلى جانب كتيبة للشرطة تتألف من 500 جندي، تاركة 9 كتائب للشرطة غير مكتملة وكتيبة واحدة للجيش في محافظة البصرة، التي يصل عدد سكانها 3 ملايين نسمة.

كانت النتيجة بحسب المسؤول موجة من السرقات المسلحة التي تستهدف المنازل والسيارات ومتاجر الحلي وشركات الصرافة، ناهيك عن عودة النزاعات القبلية وارتفاع وتيرة جلب بالمخدرات من إيران إلى دول الخليج.

ونقلت صحيفة "المدى" المحلية عن عضو مجلس محافظة البصرة أحمد عبدالحسين، قوله إن الشرطة سجلت 1200 قضية جنائية خلال الأشهر الأربعة الماضية، كانت جميعها أعمال قتل واختطاف وسرقات ونزاعات قبلية.

تعتبر البصرة، الواقعة على بعد 550 كيلومترا جنوب شرق بغداد، ثاني أضخم محافظات العراق وتحوي 70% من الاحتياطات النفطية العراقية تقدر بنحو 143.1 مليار برميل، وتطل على الخليج العربي وتحدها الكويت وإيران، كما أنها المنفذ البحري الوحيد للعراق ومحور لغالبية صادرات النفط العراقي، وتصل قدرتها التصديرية قرابة 3.8 مليون برميل يوميا، وبلغ متوسط صادرات النفط اليومي الشهر الماضي من البصرة نحو 3.215 مليون برميل.

الكثير من مواطني البصرة، الذي تحدثت معهم "أسوشيتد برس" شريطة التكتم على هوياتهم خوفا على حياتهم، رسموا صورة مفزعة لحالة غياب القانون السائدة، وقالوا إن رجال القبائل المسلحة يقاتلون بعضهم البعض وأحيانا يحاصرون حقول النفط، مطالبين بتوفير فرص عمل لأبنائهم.

ويروي سائق شاحنة كيف فتح مسلحون النار عليه بينما كان يقود شاحنته على الطريق السريع في إحدى ليالي شهر نوفمبر شمال البصرة، حيث أجبره المسلحون على التوقف واقتادوه إلى مزرعة قريبة احتجز فيها لـ5 أيام، وأطلق المسلحون سراحه بعد دفع عائلته 10 آلاف دولار فدية له.

ويقول السائق الذي تخلى عن عمله وبات الآن عاطلا: "أخشى أن أتعرض للاختطاف مجددا وهذه المرة لا نملك المال كي ندفعه".

وروى ماجد النصراوي قصة سرقة وقعت في شهر نوفمبر عندما سطت عصابة على أموال شركة أمن محلية كانت في طريقها من المصرف إلى مقر الشركة، واستولوا على نحو مليون دولار هي رواتب الموظفين، وألقت الشرطة القبض على بعض أفراد العصابة في ديسمبر، لكنها لم تتمكن سوى من استعادة نصف هذا المبلغ فقط.

وفي أكتوبر سرق مسلحون نحو 600 مليون دينار عراقي (نحو 500 ألف دولار)، هي رواتب شركة نفط الجنوب، المملوكة للدولة، وفقا للنصراوي.

خارج البصرة، أغار عشرات المسلحين الذين يستقلون سيارات رياضية الشهر الماضي على مخيم لصيادي الصقور في منطقة صحراوية نائية في محافظة السماوة، واختطفوا 26 صيادا قطريا، ولم ترد أنباء عن مصيرهم حتى الآن.

وفي مسعى لتعزيز الأمن في المحافظة أعلن المحافظ عن حملة تفتيش موسعة لنزع سلاح القبائل في أحياء شمال المدينة، وهدد بنزع سلاح القوات الأمنية في المحافظة والميليشيات الموالية للحكومة وإقالتها وتقديمها للمحاكمة حال مشاركتها في الاقتتال القبلي.

من جانبها، نشرت وزارة الداخلية العراقية وحدة استخبارات في البصرة الشهر الماضي للمساهمة في احتواء الموقف، كما دق المرجع الشيعي الأعلى، آية الله علي السيستاني، ناقوس الخطر في خطبة الجمعة الماضية حيث أدان النزاعات القبلية التي خلفت عشرات القتلى من الأبرياء في البصرة.

وكحال الكثير من أصدقائه، قال سلمان إن عائلته واجهت تهديدات وهجمات، ونجوا من الموت عندما ألقى مسلحون قنبلة في منزلهم في سبتمبر، ونجا الطبيب، 40 عاما، والوالد لطفلين، من محاولة اختطافه وابنه.

وقال سلمان، "البصرة تعاني، والجرائم لن تتوقف طالما كان السلاح منتشرا في كل مكان، والحماية التي توفرها القبائل للجناة".


مواضيع متعلقة