«ياسمين».. أم لـ3 أطفال وبائعة و«طالبة منازل» فى الثانوية العامة

07:41 م | الخميس 31 ديسمبر 2015

قبعة حمراء ترتديها، مزركشة بشريط ستان وضعته بنفسها على مئات القبعات التى تبيعها فى الإشارات وعلى أرصفة المترو، تحمل عبارة «Merry Christmas»، فى نظر المارة هى شابة سعيدة، وراضية، لا يدرى الجميع الألم المخبأ وراء الابتسامة التى تصنعها «ياسمين» على وجهها الذى يوارى خلفه العديد من الأسرار والهموم والأحزان، بعد أن أصبحت مسئولة عن تربية ثلاثة أبناء بعد انفصال الزوج عنها، فقررت البقاء لتحقيق أمنية وحيدة لم تستطع حتى الآن أن تقدمها لنفسها فى العام الجديد، وهى إيجاد منزل جديد بدلاً من الذى احترق بها قبل عامين، ونجت منه بأعجوبة.

{long_qoute_1}

عندما تمت «ياسمين أحمد»، الشابة العشرينية، عامها الـ16 ودَّعت على الفور طفولتها، تزوجت رجلاً يكبرها بـ25 عاماً، مرت سنوات ووجدت نفسها والدة مسئولة عن 3 أبناء «زياد» و«معاذ» و«يوسف» الذى كان لا يزال ابن بطنها، عندما قرر الزوج أن يهجرها من أجل زوجة أخرى، لتبقى وحدها فى شقتها بمنطقة زنين ببولاق بالجيزة، المكان الذى يرتبط فى ذاكرتها بحادث لا تستطيع نسيانه إلى الآن: «صحيت على دخان غمّى عيونى، ولادى بيصرخوا والجيران بتخبّط جامد وأنا بدور على ابنى عشان نخرج من الشقة اللى اتفحمت فى أقل من ساعة عقبال ما المطافى جت، وخرجتنى أنا والعيال من البلكونة».. المفارقة التى حدثت فى حياتها هى أن الزوج السابق كان يعمل بالمطافئ ورغم ذلك لم يأت لإسعافهم، أو حتى الاطمئنان على ابنائه «مابيصرفش عليهم ولا مليم ولولا إنى باخد معاش أبويا من الشئون 350 جنيه مع الشغلانة البسيطة كان زمانى شحت بيهم»، فالشقة رغم أنها استعادت ملامح من شكلها القديم إلا أن «ياسمين» خسرت جهازها بالكامل «التلاجة والغسالة والبوتاجاز والخشب كله اتفحم.. خسرت كل حاجة حتى جوزى رافض يدفع مصاريف العيال وأنا مارضتش أمرمطه فى المحاكم عشان ولادى صابرة ومستحملة وبأكلهم بالحلال».

{long_qoute_2}

«ياسمين» تخشى على سمعتها كونها «مطلقة» تتجول فى الشوارع، وتتعامل يومياً مع تجار العتبة ودرب البرابرة وغيرهم: «واحد يبصلى والتانى يعلى عليا السعر عايزنى أرضخ له»، لكنها فى الوقت ذاته ترفض الزواج من جديد: «أنا أعيش وأربى عيالى أحسن ما أعيد خيبتى تانى ولا يمكن أدخل على عيالى راجل غريب»، لم تجد أمامها إلا تعلُّم الأشغال اليدوية التى تضيف عليها فى آخر كل عام «زينة الكريسماس» فتقول: «عشان أشترى بضاعة لازم رأس مال لكن لما أعملها بنفسى هوفر كتير»، نصف يوم كافٍ لتصنع «ياسمين» 12 شجرة كريسماس من الحجم الصغير تبيعها بـ10 جنيهات بدون زينتها «الأولاد الصغيرة بتحب تزينها بنفسها، ولما يشترى الشجرة هيضطر يشترى الزينة وأكسب مرتين»، الأم المكافحة لا تكتفى بـ8 ساعات عمل متواصل، فتضطر للعودة إلى شقتها للدراسة أيضاً، فعندما أجبرتها الأسرة على ترك المدرسة من أجل الزواج، تركت المدرسة، ومنذ عامين رغم كبر سنها قررت أن تعود من جديد لتلتحق بالصف الثالث الثانوى «منازل» حتى تتمكن من تقسيم وقتها بين العمل والمذاكرة وتربية الأبناء: «العلم هو الحاجة الوحيدة اللى أقدر أعتمد عليها فى الزمن الأسود اللى إحنا عايشين فيه»، تتوجس «ياسمين» من اللحظة التى يكبر فيها أبناؤها ليجدوها «متمرمطة» فى الشوارع لذلك تحاول أن تحظى باحترامهم فى المستقبل وتعيد تربيتهم بطريقة مختلفة بعيدة عما حظيت به فى طفولتها التى حرمت منها «نفسى محدش من عيالى يضطر يخرج من تعليمه، وأفضل بصحتى لحد ما أكبَّرهم»، لم تكن هذه أمنية الشابة العشرينية المثقل كاهلها بالهموم، فهى أيضاً لها أحلام شخصية كالحصول على «مجموع عالٍ» فى امتحانات الثانوية حتى تتمكن من إيجاد وظيفة ترحمها من «لف الشوارع» المرهق وفق قولها، تختتم الأم المكافحة حديثها قائلة: «محدش بيختار مصيره، ولا الطريقة اللى اضطر يعيش بيها.. لكن الرضا بالقسمة والنصيب، هيغير حاجات كتير».

{long_qoute_3}