«بوتين» يستقبل ليوناردو دى كابريو.. من دروس القوة الناعمة

يعود مصطلح «القوة الناعمة» إلى عالم السياسة الأمريكى «جوزيف ناى».. كان «ناى» مساعداً لوزير الدفاع فى عهد كلينتون.. و«ناى» أيضاً هو أستاذ الرئيس باراك أوباما.

بدأ المصطلح منذ سنوات طويلة.. واستسلم العالم لكوْن الولايات المتحدة الأمريكية هى القوة الناعمة الأولى فى العالم.. بمثل ما أنها القوة الصَّلبة الأولى فى العالم.

وفى السنوات الأخيرة.. راجَ المصطلح أكثر وأكثر.. وباتَ العالمُ يشهد سباق القوة الناعمة.. بالتوازى مع سباق التسلح.

(1)

كانت المفاجأة فى عام 2013 أن إحدى المؤسسات الكبرى التى تُعنَى بتصنيف القوة الناعمة عالمياً.. قد اختارت «ألمانيا» لتصبح القوة الناعمة الأولى فى العالم.. متفوقة على أمريكا وبريطانيا. كان التفوق الألمانى فى الأدب والموسيقى.. وفى الجامعات وكرة القدم.. وفى الثقافة والسياحة.. وغيرها من ركائز القوة الناعمة.. قد قادَ برلين فى هدوء إلى ذلك الموقع الكبير.

كانت أرقام التميّز الألمانى تتزاحم.. من رُبع مليون طالب أجنبى يدرسون فى ألمانيا.. إلى (30) مليون سائح و(80) مليون كتاب جديد سنوياً.. فضلاً عن (80) جائزة نوبل.. وتاريخ مذهل من النقلات العملاقة فى تاريخ الإنسانية.. من صناعة المطبعة إلى صناعة السيارة.

كانت كل هذه الأرقام مثار اهتمام ومنافسة من الآخرين.. ولم تعد المنافسة على تصدر القوة الناعمة محسومة سلفاً.. بل صار بالإمكان أن يكون الوضع أفضل مما كان.

(2)

فى عام 2008 كان أول استخدام روسى قوى للمصطلح.. لقد سبق استخدامه عديداً من قبل.. وبالطبع فإن طلاب العلوم السياسية فى الجامعة الروسية درسوا كتاب «جوزيف ناى» وغيره. ولكن الحديث القوى والواضح والمحدَّد من قِبَل وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف.. قد وضع «القوة الناعمة» على جدول أعمال الإعلام والمجتمع فى روسيا.

تحدث لافروف عن القوة الناعمة باعتبارها.. الثقافة والحضارة والفنون وجاذبية الدولة.. ومضتْ روسيا تسابق أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا.. فى سباق القوة الناعمة.

وقد جاءت النتائج باهرةً بلا حدود.. حيث أصبحت قناة روسيا اليوم - على نحو ما ذكرنا فى مقالٍ سابق - أعلى قناة إخبارية تمت مشاهدتها على كافة المواقع بكل اللغات فيما يزيد على ثلاثة مليارات مشاهدة.. لتحتل بذلك المركز الأول عالمياً.. بأكثر من ضِعْفَيْ CNN وأكثر من عشرة أضعاف BBC.

(3)

ولقد تأملتُ كثيراً ما نشرته الصحف مؤخراً.. عن استعداد الممثل الأمريكى ليوناردو دى كابريو لبطولة فيلم سينمائى عن قصة حياة الزعيم السوفيتى فلاديمير لينين. ثم وجدتُ أن الرئيس بوتين كان قد استقبل ليوناردو دى كابريو فى عام 2010 فى نشاطٍ يخصّ تربية النمور.. بعنوان «المنتدى الخاص للنمور».

طلب ليوناردو دى كابريو الذى طالما ترشَّح لجوائز «أوسكار» و«جولدن جلوب» من الرئيس بوتين منحَه الجنسية الروسية.. وحين سأله بوتين: هل تتحدث الروسية؟، قال: «جدتى كانت تتحدث الروسية.. وكنت أتمنى أن أرافقها إلى زيارة سان بطرسبرج». ثم قال: «إن ملامحى تشبه الزعيم لينين، وأنا أحلم بتجسيد شخصية لينين فى فيلم سينمائى كبير».

(4)

بالتوازى مع ذلك، يصدر قريباً فى باريس كتاب بعنوان «روسيا بوتين» للمؤلف الفرنسى «إيفان بلو».. وهو كتاب يروّج للحياة فى روسيا.. ويردّ على الصحافة الغربية التى تعرض الصورة غير الحقيقية.

ويتحدث الكتاب - حسبما نشرت الصحف مؤخراً - عن روسيا باعتبارها دولة ديمقراطية، وغير استعمارية، وأنها من أفضل الأماكن فى العالم للحياة.. وأنها أصبحت ملاذاً آمناً لكثير من الشخصيات الأدبية والفنية من حول العالم.

(5)

تعمل دول العالم الجادّة جميعها على تعظيم قوتها الصلبة والناعمة سواء بسواء.. ومن سوء حظ بلادنا أنها كانت القوة الناعمة الأولى فى العالم الثالث لعقود طويلة.. والقوة الناعمة الأولى فى العالم معظم قرون التاريخ.. ولكنها اليوم تواجه هبوطاً جامِعاً وشاملاً لقوتها الناعمة.

الصحافة والإعلام والسينما والمسرح.. وكرة القدم والموسيقى والغناء.. العلوم والآداب كلها فى أزمة. ومن المؤسف أن يعتقد البعض أن القوة الناعمة تحتاج إلى قوة السوق.. وأن نكون محظوظين بمن يجددون ويرمّمون هذه القوة.

وتقديرى.. أن ذلك كله وهمٌ كبير.. الدولة، والدولة وحدها، هى المسئولة، ولا مسئولية على غيرها.. فى استرجاع وتعظيم القوة الناعمة المصرية. الدولة هى المسئولة عن كل الهبوط، وهى المنوط بها صناعة الصعود. ومن دون الدولة.. سوف يتكسر ما بقى من القوة الناعمة.. لتصبح بقايا قوة.. أوْ.. لا قوة!

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر